شوف تشوف

الرأي

مشاريع ربط القارات (3)

بقلم: خالص جلبي
نتابع فكرة نفق الأطلسي فعمل نفق تحت مستوى سطح الماء بـ100 متر فقط، أعلاه مجسمات عائمة، ويثبت إلى الأسفل في قاع البحر بـ100 ألف كابل، تنتهي في دواعم راسيات في أرض المحيط، تثبت بالتدريج، بدفعها إلى الأسفل، مع شفط الماء، وهو عمل لن ينجزه البشر، بل الغواصات؛ بفعل الضغط السحيق والظلام الدامس، أما على السطح فسوف ينجزه البشر. وهي فكرة استفادوا فيها من بناء المنصة البترولية هايدرن في بحر الشمال، وأثبتت صلابتها لفترة عشرات السنوات، بحيث إن الأمواج الهائلة تجعلها تتمايل، بدون أن تنخلع مع أن وزنها 330 ألف طن! في ضوء وجود خطر آخر هو تحدي تيار الخليج، وهو تيار مائي ساخن، يمشي بسرعة 9 كيلومترات في الساعة، ويضم من المياه في أمواجه ما هو أكثر من نهر الفرات والميسيسيبي ويانغ تسي والفرات معا! ومن أجل صلابة الجدار؛ فقد بني من غلافين من الحديد المقاوم للصدأ بينهما جدار عازل، وتحت الأغلفة الثلاثة وضعت طبقة من الأسمنت المسلح، على شكل قطع أنبوبية، طول الواحدة 100 متر، وسوف يحتاج كامل النفق إلى 54 ألف قطعة من هذا النوع. وكل قطعة سوف تستهلك 30 ألف طن من الأسمنت المسلح، وهي الكمية التي يحتاجها المهندسون لإنجاز بناية من عشرة طوابق.
وهذا المشروع سوف يعمل عليه 225 مصنعا لإنتاج الفولاذ، في 24 ساعة لمدة عشرين سنة متواصلة، ولسوف يكون مصدر تأمين عقود لعشرات السنوات لقبيلة من العمال والمهندسين والمقاولين ومهن لا تنتهي. وبالنسبة إلى بنية الأسمنت المسلح مسبق الصنع على شكل أنابيب أو صناديق، فمهمتها أن تبقى تحت الماء، والهولنديون بارعون في هذا، فالأسمنت المسلح العادي غيره تحت الماء، ويجب أن يعالج معالجة خاصة، ولذا فهم يمررون عادة ولمدة 28 يوما بخارا ساخنا عليه؛ فلا يتصدع  أو يفسد بعد تركيبه تحت الماء. وتبقى مشكلة الكبلات الممتدة إلى طول الكيلومترات، ولحل هذه المشكلة فسوف يعمدون إلى تثبيت هذه الأنابيب بأسلاك مرنة إلى عمق المحيط، متصلة إلكترونيا بمراكز مراقبة في غاية الدقة على مدار الساعة، بحيث تتمطط أو ترتخي؛ في ما لو صدمت من حيتان كبيرة، أو  غواصات نووية تحمل رؤوسا نووية من وزن 45 ألف طن. وسوف يخصص في الأنبوب نفق للذهاب وآخر للعودة، وبينهما أمكنة للصيانة والبنية التحتية، بالإضافة إلى مولدين للطاقة في الطرفين، تتوزع إلى أمكنة طاقة على طول النفق. ومن أجل رفع السرعة إلى قدرة خيالية فقد اعتمدوا أمرين: قوة المغناطيس وتفريغ الأنبوب من الهواء؛ فقد ثبت حسب إفادة (روبرت شايلد) من معهد (ما سا شوست) للتكنولوجيا، أن سرعة الأشياء ضمن أنبوب مفرغ تقفز ثلاث مرات؛ فأما المغناطيس فهو يلغي الاحتكاك مع الأرض وأما تفريغ الأنبوب من الهواء فسوف يلغي مقاومة الهواء فيطير القطار هكذا في خلاء بدون مقاومة، وكأنه في عالم آخر خارج الأرض. وسرعة هذا القطار إذا تم الاعتماد فيها على التقنية المضاعفة من قوة المغناطيس وتفريغ الهواء يمكن أن تصل إلى 8000 كلم في الساعة، أي إن الرحلة بين نيويورك ولندن سوف تكون في 54 دقيقة، مقارنة بالسفن قديما التي كانت تحتاج أسبوعا إلى أسبوعين، أو طائرات الجت الحديثة التي تتطلب سبع ساعات. وبإمكان القطار حمل ألفا من الركاب. وبالنسبة إلى قوة المغناطيس؛ فالألمان حاليا يجربون طريقة القطار (ماغليف) المغناطيسي بسرعة 500 كلم في الساعة، الذي لا يمشي على عجلات، بل يطير فوق السكة لمسافة سنتمترين بفعل العمل المغناطيسي؛ فلا يبقى احتكاك، فكيف إذا تم التخلص من مقاومة الهواء؟ إنه شيء أشبه بالخيال، ولكن القطار الذي يمشي حاليا بين طوكيو وهيروشيما، يطير هكذا بدون دواليب بسرعة 400 كلم في الساعة، ما يعادل سرعة طيارة من نموذج قديم، وهو أمر يكاد يذهل له المرء أن تمشي الأشياء بدون عجلات، بعد أن اعتمدها الإنسان ثلاثة آلاف من السنين. وهناك مشاكل جديدة في هذه السرعة المخيفة، وهي الحرائق أو الصدم أو قوة الجاذبية، فلو حدث اصطدام بهذه السرعة الخرافية من عيار آلاف في الساعة، فسوف يتبخر الركاب قبل أن يشعروا أنهم انتقلوا إلى عالم الآخرة. وبالنسبة إلى قوة الجذب، فنحن نعرف عن رواد الفضاء أن وزنهم يزداد مع السرعة والانخلاع من جاذبية الأرض، قبل أن ينعدم الوزن حين بلوغ سرعة 27 ألف كلم في الساعة في الفضاء الخارجي. ومعروف عن الطيارين أن السرعة تزيد الكتلة، وأحيانا قد يصل وزن الطيار إلى ألف كيلوغرام وتتفرغ الأوعية المغذية للمخ من الدم؛ فيصاب بفقد الوعي، وهو أمر يمكن أن يحدث مع قطار الأطلسي. لذا زود القطار بكراس خاصة، دوارة بنوعية خاصة، كما أن السرعة سوف تزداد بالتدريج على ثلاث مراحل؛ كل مرحلة تستغرق 18 دقيقة، تبدأ الأولى من نيويورك حيث يندفع القطار من قفل هوائي، ثم تزداد السرعة بالتدريج في الـ18 دقيقة الأولى، في مسافة الألف كيلومتر الأولى، ثم ينطلق القطار تحت تأثير شفط المغناطيس وانعدام مقاومة الهواء بأسرع من طلقة المسدس، وهو ما أخذ اسم القطار الرصاصة. بحيث يحقق سرعة 8000 كلم في الساعة في 18 دقيقة التالية، وفي الـ18 دقيقة الأخيرة تتباطأ السرعة تدريجيا، حتى يحط الرحال في عاصمة الضباب لندن في 54 دقيقة.
وهذا يعني أن البحار لم تعد تفصل الناس، فأين عيون (كريستوفر كولومبوس) ليرى الفرق بين رحلته وهذه الرحلة.
والفرق بين الخيال والحقيقة شعرة، وكل قصص ألف ليلة وليلة كانت هكذا من بساط الريح والعملاق والجني وحوريات البحر. وكلها رموز لحقائق رأتها أعيننا واشتهى أن يراها الأقدمون فتخيلوها فلم يروها.
نحن اليوم نطير بأسرع من الطيور، ونتخاطب مثل الجن بسرعة الضوء،. ونرى عمق المجرات في أبعاد سحيقة بعيون من تلسكوبات خارج أرضية، ونسحق الزمن إلى الفيمتو ثانية، ونرسو على سطح الكود الوراثي. ونكتشف الكواركز واللبتونات من الجزيئات دون الذرية، ونعرف تاريخ الديناصورات قبل 245 مليون سنة. ونكتشف هياكل عظمية للإنسان قبل سبعة ملايين من السنين، ونعرف أن الكون انفجر قبل 13,7 مليار سنة من نقطة رياضية متفردة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى