مسلمو الصين.. المضطهدون المنسيون
احتجازات تعسفية وإعدامات وإرغام للملايين على الإفطار في رمضان ومخالفة معتقداتهم
سهيلة التاور
ازداد الاضطهاد والقمع في السنوات الأخيرة في حق مسلمي الصين، من قبل سلطات الجمهورية الاشتراكية التي تعتقد أنها تملك الحق في التنكيل بالمسلمين بسبب التوجه الديني والسياسي في البلاد. وقد وجهت للصين اتهامات كثيرة بكونها تخالف البنود التي تنص عليها قوانين حقوق الإنسان نتيجة لتعنيف واعتقال المسلمين في «الإيغور» وإرغام المسلمين على الإفطار في رمضان تحت التهديد ومنع الحجاب والنقاب واللحي بالنسبة للرجال وإغلاق المساجد. عدد من المنظمات والمؤسسات الإنسانية توجه انتقادات لاذعة للصين وتدعوها إلى ضرورة التعامل مع أي مواطن صيني بنفس الطريقة وتقديم الهوية على الديانة، في وقت تواجه الصين كل الاتهامات بالإنكار.
يقدر الإحصاء الرسمي الصيني عدد المسلمين في الصين بـ30 مليون مسلم، لكن مصادر عديدة تؤكد أن الرقم غير صحيح. ورغم أنه يصعب تحديد أرقام دقيقة لعدد المسلمين بالصين، تشير إحصائيات غير رسمية إلى أن عدد المسلمين قد يصل إلى 100 مليون نسمة، وهو ما يعادل تقريبا 10 في المائة من سكانها، وهو ما يفوق تعداد المسلمين في السعودية والعراق وسوريا مجتمعين. ويعد 99.9 في المائة من المسلمين في الصين من المسلمين السنة، وينقسمون إلى قسمين، قسم يعيش في دولة الصين، وقسم يعيش في إقليم تركستان الشرقية، وهي دولة إسلامية اغتصبتها الصين ولا تزال تحتلها حتى الآن.
وتدين عشر قوميات من 56 قومية بالإسلام في الصين، وهي: هوي والإيغور والقازاق والقرغيز والأوزبك والتتار والطاجيك ودونغشيانغ وسالار وبونان، ويوجد في الصين أكثر من 34 ألف مسجد وما يزيد عن 45 ألف إمام.
معاناة مسلمي الصين
تحت مزاعم مواجهة التطرف الديني، يتعرض عشرات الملايين من شعب «الإيغور» منذ ما يقرب من 60 عاما للاضطهاد والتمييز والقمع، ويشهد الإقليم أعمال عنف دامية منذ عام 2009، ويعيش أكثر من 92 في المائة من المسلمين في إقليم تركستان الشرقية الذي تطلق عليه السلطات الصينية اسم (شينجيانغ) في حالة من الاضطهاد العلني والحرمان من اختيار اعتناق الدين، إذ تتعمد الصين إذلال المسلمين هناك، وتجبر الأئمة على الرقص في الميادين العامة وسب الدين الإسلامي ووصفه بالإرهاب. وفي عام 2014 أطلقت الحكومة الصينية حملة قمع بعد هجوم دام في «أورومتشي»، وعلى إثر هذا الهجوم تم إعدام العشرات من المسلمين وسجن المئات دون محاكمات عادلة، وتفاخر المدعي العام للصين في تقريره السنوي لعام 2014 بأن سلطات الأمن الصينية اعتقلت أكثر من 27 ألفا من مسلمي «الإيغور» خلال سنة واحدة فقط.
وتم تمديد العملية حتى آخر 2015، وانعكست في أعمال قمع صارمة تمثلت في عشرات عقوبات الإعدام وتوقيفات تلتها محاكمات سريعة، حتى وصلت إلى التدخل في الأمور العقائدية ومنعت المسلمين من الصيام في نهار رمضان وأجبرتهم على بيع المحرمات. وفي السابق تعرض المسلمون «الإيغور» لمجزرتين كبيرتين في الصين، ففي عام 1863 قتل منهم ما يفوق مليون شخص، ثم جاء النظام الشيوعي ليرتكب مذبحة مشابهة في عام 1949، عندما قتل أيضا أكثر من مليون من «الإيغور». ومنذ عام 1961 أقدمت الصين على إجراء 46 تجربة نووية في موقع «لوبنور» في تركستان الشرقية تسببت في كوارث بيئة لوثت الأرض والنباتات والماء وأدت إلى وفاة مائتي ألف شخص وفقا لدراسات نشرها معارضون من «الإيغور»، بالإضافة إلى أمراض السرطان التي أصابت عددا كبيرا من سكان الإقليم.
وتقوم الصين بحظر الصيام في رمضان في أجزاء بمحافظة «شينجيانغ»، على الموظفين العموميين، والطلبة والأساتذة، محذرة المدارس والدوائر الحكومية مما وصفته باستغلال المدارس للدعاية الدينية. وتجبر الحكومة الصينية والمسؤولين عن السلامة الغذائية المطاعم التي تقدم وجبات حلال على الطريقة الإسلامية على فتح أبوابها في النهار خلال ساعات الصيام، وتوجه تعليمات إلى المحلات والمطاعم التي يمتلكها المسلمون بمواصلة بيع السجائر والخمور خلال رمضان، أو مواجهة الإغلاق النهائي. وفي العام الماضي منع عدد من طلاب الجامعات في إقليم «شينجيانغ» من صيام شهر رمضان، حيث أجبر الطلاب على تناول الوجبات مع أساتذتهم للتأكد من أنهم مفطرون، ويواجه من يرفضون تناول الطعام منهم خطر عقاب السلطات لهم. كما أجبرت السلطات المحلية في مقاطعة «شينجيانغ» الصينية أئمة المساجد على الرقص في الشارع، وأجبر الأئمة الذين تجمعوا في منتزه الحضارة على الرقص والغناء ورفع شعارات دعم للدولة، وشعارات تمجيد تفوّق الدولة على الدين.
واتخذت السلطات في عاصمة إقليم «شينجيانغ» قرارا بمنع النقاب والبرقع في الأماكن العامة، ومنعت السلطات المحلية في كاراماي ارتداء الحجاب والنقاب والبرقع وأي ثياب عليها الهلال والنجمة في وسائل النقل العام.
إلغاء استقلال تركستان
ألغت الصين استقلال إقليم تركستان وضمه لجمهورية الصين، وتم تهجير «الإيغور» من تركستان وتوزيعهم على أقاليم مختلفة من أجل تذويبهم، كما ضيق النظام الشيوعي على «الإيغور» في عباداتهم وهدم مساجدهم ومدارسهم.
تغطي تركستان الشرقية 80 في المائة من احتياجات الصين من النفط، ويقدر البعض مخزونها من النفط بأنه يضاهي المخزون النفطي للمملكة العربية السعودية، حيث اكتشفت فيه كميات احتياطية كبيرة من البترول. وتؤكد دراسة الباحثة فتحية يحيى الكمالي أن في تركستان الشرقية أكثر من 90 في المائة من مناجم اليورانيوم في الصين وهي من أجود أنواع اليورانيوم في العالم، وكذلك الفحم الذي يبلغ رصيده ستمائة مليون طن، ويمكن أن تكفي العالم لمدة ستين عاما، حسب ما يقوله علماء الجيولوجيا. كما أن تركستان الشرقية تعتبر ممرا بريا يصل الصين بحقول النفط والغاز في قرغيزستان وآسيا الوسطى، لذا تعد هذه الموارد أحد أسباب تركز هذه المآسي في مناطق محددة من أماكن الوجود الإسلامي في الصين، وفي المقابل نجد أن المستوى الاقتصادي للمسلمين ضعيف جدًا في تركستان الشرقية، فهم يعانون من البطالة والأمية بسبب سياسة التمييز التعليمية التي اتبعت ضدهم، وهم لا يستطيعون النهوض في المجال الاقتصادي.
الحلم الصيني 2050
تطورت سياسات الاستيعاب والتطهير العرقي للحزب الشيوعي الصيني إلى مرحلة جديدة مع الرئيس الصيني المتعصب شي جين بينغ، حيث أعلن عن خطة لما يسمى «الحلم الصيني 2050». وعلى الرغم من أن هذا الحلم يوصف بكلمات ملونة تنسب إلى دولة مكتملة النمو، إلا أن هدفه غير المعلن يمكن رسمه استنادا إلى العلاقة التاريخية والحديثة للحكومة الصينية مع جيرانها وشركائها الاقتصاديين. وهدفها النهائي هو السيطرة على أكبر عدد ممكن من الأراضي والهيمنة على العالم في اتجاه طموحها المتعصب. إن الحلم الصيني هو الهيمنة على العالم عبر محور استراتيجية شي الكبرى وهي مبادرة الحزام والطريق (BRI). وموقع تركستان الشرقية يمثل بوابة نحو الغرب. ويرى الحزب الشيوعي الصيني أن الشعب الإيغوري المسلم في تركستان الشرقية يشكل عقبة أو تهديداً لمبادرة الحزام والطريق وطموحاته المستقبلية التي يجب القضاء عليها إلى الأبد.
سر العداء للإسلام
ازداد العداء الصيني لـ «الإيغور» بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بشكل متصاعد، سيما بعد استقلال الكثير من البلدان التي كانت تخضع للشيوعية السوفيتية، وخصوصا بلدان تركستان الغربية، وخوفا من مطالبات الانفصال المتصاعدة في تركستان الشرقية حمل الحزب الشيوعي في عام 1990، شعارا مبطنا للقضاء على حلم الانفصال الإيغوري بذريعة القضاء على ما يوصف بالشرور الثلاثة المتمثلة في الانفصال، التطرف الإسلامي، والإرهاب. كما تنظر الصين من الناحية الاقتصادية لتركستان الشرقية على أنها ثروة ضخمة وبوابتها نحو آسيا الوسطى ومواردها، وتسعى بكين أيضا إلى استغلال أراضيها لبناء خط أنابيب للنفط يصلها بالدول المجاورة، فضلا عن روسيا، للمساعدة في تلبية الطلب على البترول المتزايد في الصين بسبب الطفرة الاقتصادية التي تعيشها. ووقعت الصين عام 1997 مع كازاخستان اتفاقية لمد خط أنابيب للنفط بين غرب كازاخستان وتركستان، تم الانتهاء منه في نونبر 2005. وفي عام 2004، وقع كل من رئيس كازاخستان، نور سلطان نزار باييف والرئيس الصيني هوجين تاو على اتفاق واسع النطاق للتنقيب المشترك وتطوير موارد النفط والغاز في بحر قزوين. ويسعى الجانب الصيني من خلال ذلك إلى ربط حقول الغاز في بحر قزوين مع الصين، ولا يمكن إتمام مثل هذه الصفقة بدون استغلال أراضي تركستان الشرقية. كما وقع الطرفان اتفاقا لبناء السكك الحديدية لنقل الركاب والشحن الدولي، كجزء من جهد يرمي إلى تعزيز طرق التجارة عبر كازاخستان إلى أوروبا. كل تلك المساعي لن تتحقق للصين ما لم تستطع القضاء على مطالب التحرر التي ينادي بها «الإيغور»، وهي تقوم بطرق بشعة في سبيل تحقيق ذلك وسط صمت دولي إزاء محنة «الإيغور» بسبب النفوذ الذي تتمتع به الصين في المنظمات الدولية وترابط مصالحها مع القوى العظمى.
تصعيد تركي
بغضب شديد، عبرت تركيا عن التعامل اللاإنساني لمسلمي «الإيغور» شمال وغرب الصين الذي تعيش فيه جالية كبيرة منهم في تركيا بمجموعة من الاحتجاجات. وفي كلمة له أمام الدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، عبر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن قلق بلاده من تقارير انتهاكات حقوق الإنسان بحق المسلمين في إقليم شينجيانغ شمال غربي الصين، التي تقدم أدلة على انتهاك حقوق المسلمين بالإقليم بمن فيهم أتراك «الإيغور»، وفي مقدمتها تقرير لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة.
ووفقا لإعلان صادر من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت سابق، فإن عدد «الإيغور» في تركيا يبلغ 300 ألف نسمة، أكثرهم تجار وموظفون، ويتركزون في عاصمة البلاد أنقرة، وكبرى مدنها إسطنبول ومدينة قيصري.
ونظم الإيغوريون المقيمون في تركيا مسيرة نددوا فيها بما وصفوها بالانتهاكات الصينية بحق عائلاتهم في الإقليم المسلم. وجذب ناشطو «الإيغور» انتباه العالم إلى قضيتهم، بفعل العديد من الأنشطة الدولية التي يمارسونها في محاولة للضغط على بكين لتخفيف الخناق عن عائلاتهم. ويقول الإيغوريون المقيمون في تركيا إنهم لا يعلمون شيئا عن أحوال عائلاتهم في الإقليم الذي انقطعت اتصالاتهم به منذ تشديد بكين الخناق عليه، ولا يدرون إن كانوا أحياء أو أمواتا، وفقا لتعبير بعض المتظاهرين. وفي المقابل، تقول الصين إن المراكز التي يصفها المجتمع الدولي بمعسكرات اعتقال إنما هي مراكز تدريب مهني وترمي إلى تطهير عقول المحتجزين فيها من الأفكار المتطرفة.
بيان تركي
أصدرت الخارجية التركية بيانا أدانت فيه انتهاكات بكين بحق مسلمي «الإيغور» وما تمارسه من أعمال تجاههم، خاصة الاعتقالات التعسفية والزج بهم في مراكز الاحتجاز. وتعاملت الصين بجدية كبيرة مع البيان التركي فنشرت شريط فيديو للفنان الإيغوري عبد الرحيم هيت يثبت أنه ما زال حيا ولم يتعرض لأذى، في رد على البيان التركي الذي قال إن هيت توفي في سجون الصين. وطالب الناشط الإيغوري محمود محمد عضو «جمعية علماء مسلمي تركستان» الحكومة الصينية بنشر فيديوهات لعائلات الإيغوريين المغتربين، مؤكدا أن من حق آلاف الإيغوريين في تركيا والعالم أن يعرفوا إن كان ذووهم ما زالوا على قيد الحياة أم لا. وصرح بأن الشعوب المسلمة تتعاطف مع الشعب الإيغوري المسلم، لكنها بلا حول ولا قوة، أما حكومات العالم الإسلامي فتهتم بمصالحها الاقتصادية مع الصين ولا تهتم بمعاناة شعب الإيغور.
دفاع الصين
قدمت الصين احتجاجا رسميا إلى تركيا، ردا على الانتقادات التي وجهتها أنقرة إلى بكين بشأن معاملتها أقلية الإيغور المسلمين في الصين، ووصفت اتهاماتها بأنها كاذبة.
وأدانت الصين، الاثنين 11 فبراير 2019، الانتقادات التي وجهتها تركيا إليها بشأن معاملتها الإيغور، ونفت تأكيدات أنقرة أن شاعراً معروفاً من الأقلية المسلمة توفي في السجن، واصفة ذلك بالكذبة السخيفة.وانتقدت وزارة الخارجية التركية، السبت 9 فبراير 2019، بشدة، عمليات الاعتقال الصينية واسعة النطاق التي طالت أفراد أقلية الإيغور العرقية الناطقة بالتركية، مشيرة إلى أن الشاعر عبد الرحيم هييت تُوفي في أثناء قضائه حكماً بالسجن 8 أعوام، بسبب إحدى أغنياته.
وفي المقابل نشرت الصين، الأحد 10 فبراير 2019، تسجيلا مصورا يظهر شخصا عرف نفسه بأنه الشاعر هييت، قال إنه لا يزال على قيد الحياة وبخير والذي صرحت تركيا أنه توفي إثر التعذيب في الصين. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا شونينغ، للصحفيين، إن الصين قدمت احتجاجا رسميا إلى الجانب التركي. نأمل أن تتمكن الجهات المعنيّة في تركيا من التفريق بين الحقيقة والكذب، وتصحيح أخطائها. ووصفت بيان وزارة الخارجية التركية بأنه دنيء، وحضَّت أنقرة على سحب اتهاماتها الكاذبة.
وأفادت لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة بأن السلطات الصينية تحتجز نحو مليون من «الإيغور» المسلمين وغيرهم من الأقليات الناطقة بالتركية، في معسكرات إعادة تعليم بمنطقة شينغيانغ في شمال غربي البلاد، حيث يعيش معظم أفراد الأقلية، البالغ عددهم أكثر من 10 ملايين شخص.
واعتبرت تركيا، في بيانها أن طريقة تعامل الصين مع «الإيغور» المسلمين تشكل عارا على الإنسانية، في أقوى رد فعل يصدر حتى الآن من دولة مسلمة على المسألة. والتزمت الدول المسلمة الصمت بشأن هذا الملف تحسبا للعواقب الدبلوماسية والاقتصادية الصينية.