مسلسل في حاجة إلى سيناريو
يونس
لقد أصبح الحوار الاجتماعي في هذا البلد مسلسلا فعلا. والآن فقط يمكننا أن نفهم لماذا كان بعض الحكوميين، نسبة إلى انتمائهم للحكومة طبعا، يطلقون عليه «المسلسل». ولولا أن ذكرنا به وزير التشغيل يوم الاثنين الماضي بمجلس المستشارين، لنسينا أن حلقاته لا زالت مستمرة.
اقتربت ذكرى الإعلان رسميا عن فشل الحوار الاجتماعي بين رئيس الحكومة السابق وزعماء المركزيات الأربع دون التذكير بالأزمة التي كانت بينه والاتحاد العام لمقاولات المغرب، والحرب التي اضطر إلى إطفائها والتي قادها مشاغبو حزبه ومجانينه ضد بعض الأسماء داخل الاتحاد.
واليوم، مع الحكومة التي لم تعد جديدة، يستمر المسلسل نفسه ولو أن الإثارة خمدت. فقد مات، رمزيا طبعا، البطل الأول للمسلسل وعاد جل الضالين إلى الظل، ولم يعد هناك ما يغري في اللعبة، حتى أن أحد زعماء النقابيين أصبح وزيرا للتشغيل وأصبح في هذا المسلسل مُحاورا للآخرين من ضفة الحكومة. وربما يكون هذا التطور في الأحداث الرتيبة صدمة لبعض المشاهدين السذج، فيما سيرمي آخرون بأداة تغيير القنوات أرضا من شدة الملل لأن الرجل كان أيام رئاسته للنقابة التابعة لحزب رئيس الحكومة، يتصرف وكأنه وزير فعلا وليس نقابيا، وكان يخرج عن جماعة النقابيين ويساند قرارات الحكومة السابقة التي لا يمكن لأي نقابة في العالم أن تتفق معها. ولا حاجة أن نذكر مرة أخرى أن أكبر صدمات المسلسل الذي أصبح فيلما وبدعم سينمائي، وربما بتسبيق على المداخيل أيضا، هو عندما نزل بنكيران في فاتح ماي لوحده بعد أن قررت النقابات في سابقة عالمية ألا تحتفل، وألقى خطابا نقابيا في أعضاء نقابة حزبه احتج فيه ضد الحكومة، أو هكذا فهم الذين جاؤوا لكي يستمعوا إليه.
وكان هذا الأمر لوحده أكبر نكتة في تدبير الشأن العام، وبدا أن المغاربة ليسوا فقط غير محظوظين وإنما مُجبرون أيضا على تحمل هذه الحلقات التي لا تنتهي، خصوصا مع تفعيل قرار الاقتطاع من أجور المضربين، وهو القرار الذي يعتبره النقابيون ضربا صارخا في صميم الحق المشروع في الإضراب كتعبير عن عدم تقبل الأوضاع المعيشية. ووظيفة الحكومة هي احتواء الإضراب ولملمة أضراره وفتح الحوار الفوري مع المضربين، حتى لا يتكرر الأمر، ووضع نقطة نهاية كبيرة في آخر سطر المطالب وليس الاقتطاع من الأجور والتوعد.
يوم الاثنين الماضي، قال وزير التشغيل، زعيم النقابة الذي صدم متابعي المسلسل، إن إنجاح الحوار الاجتماعي مسؤولية مشتركة. وليسمحوا لنا جميعا، حكوميين ونقابيين، لكي نقول لهم إن الحكومة لم تُعين بالأمس. أكبر مشاكل رئيس الحكومة ومن معه أنهم يحسون جميعا بأنهم تعينوا للتو، في حين أنهم على مشارف إنهاء نصف المدة أي أنهم وصلوا مرحلة جني ثمار القرارات والسياسات التي يفترض أن يكونوا قد وضعوا معالمها منذ بدء التجربة، أو المسلسل، لنكون أكثر دقة.
هناك فشل ذريع في قناة التواصل بين ممثلي نقابات ومكتب رئيس الحكومة. لن نتحدث عن التوقيت غير الموفق لعرض بعض الحلقات ولا التحفظ الكبير عن أداء بعض الممثلين. هو ما يكشف أنهم جاؤوا من أي مكان إلا من المكان الذي يفترض أنهم جاؤوا منه.
من يخسر في النهاية؟ المشاهدون. فمشكلة ما يتابعه المغاربة دائما تتعلق بالسيناريو. هذا ما يقوله المتخصصون. هل لاحظتم أننا يمكن أن نتحدث عن السياسة بأدوات السينما نفسها؟ لا بد أن الجميع يعلم هذا الأمر، إلا الذين يشاركون في المسلسل، فلا وقت لديهم لمشاهدة الحلقات لكي يعرفوا أنهم يحتاجون فورا إلى وقف التمثيل.