مسلسل طويل لهجرة الأدمغة
يونس جنوحي
هناك احتمال كبير بأن تشرف مجموعة من المنظمات العلمية على مشاريع تتعلق بمنطقة شمال إفريقيا وآثار جائحة كورونا على مشاريع الشباب وسوق الشغل، حيث تركز هذه المنظمات على المغرب بالدرجة الأولى ثم تونس والجزائر.
وتستعد السيدة أنطوانيت ميكالا، وهي عضوة نشيطة في مجال مبادرات إطلاق مشاريع الشباب، لتنظيم برنامج يؤطر مشاريع الشباب، حيث سيتم إطلاقه في النصف الأخير من سنة 2022، ويرمي إلى تأهيل شباب من المغرب لإطلاق مشاريعهم الخاصة في مجالات علمية مثل المختبرات والطاقات البديلة. وحسب ما نشرته خلية التفكير التي تشرف عليها هذه الناشطة المستقرة حاليا في البرازيل، فإن المبادرة تهدف إلى تأطير أزيد من 200 مقاولة شابة في شمال إفريقيا ومواكبة المشاريع التي ستطلقها وتوفير خبرات أزيد من 13 رجل أعمال من مختلف دول العالم، لدراسة ملفات المشاريع وجعلها تواكب متطلبات السوق العالمية وليس المحلية فقط.
ليست هذه المرة الأولى، بطبيعية الحال، التي تركز فيها منظمات دولية على المغرب، وتخصص أزيد من ثلثي إمكانيات برنامجها للشبان المغاربة. إذ إن “السيليكون فالي” في الولايات المتحدة تعرف حضورا قويا لكفاءات مغربية بصورة تفوق كل الجنسيات العربية الأخرى، والأمر نفسه ينطبق على المؤسسات الكبرى في الاقتصاد والبحث العلمي أيضا. إذ إن وكالة ناسا، مثلا، توظف كفاءات مغربية من الجنسين، يشرفون على أهم المشاريع التي أطلقتها الوكالة في سباق اكتشاف الفضاء.
وسوف نرى أنه بمجرد إطلاق المبادرة المزمع أن تنطلق منتصف السنة المقبلة، سيكون هناك حضور كبير جدا للمقاولات المغربية الشابة.
المصيبة أن هناك بعض برامج النصب والاحتيال التي تستغل تنقيب الشباب المغاربة عمن يحتضن مشاريعهم وأحلامهم، لتمارس النصب والاحتيال، وأحيانا تتسبب في إفلاس هؤلاء الشباب من خلال مشاريع وهمية يطلقها نصابون محترفون يتخذون من دول جنوب الصحراء وشرق آسيا موطنا لهم. إذ يتواصلون عبر البريد مع مقاولات شباب مغاربة في مجال الخدمات والبحث العلمي والمختبرات وأيضا البرمجيات، ويقنعونهم بالانضمام إلى اجتماعات من مختلف الجنسيات. والنصب يكمن في دعوات اللقاءات التي تنظم في عواصم أوربية، من باب المصداقية الوهمية، ثم يتفاجأ المنخرطون بأن المنظمة لا وجود لها أساسا وأنهم فقدوا أموال الانخراط وأحيانا الشراكات أيضا.
عندما انتشر فيروس كورونا في كل أرجاء العالم وتسبب في شلّ حركة المطارات حرفيا لأول مرة في تاريخ الأرض في ربيع العام الماضي، كان عالم المقاولات وبرامج الفرص قد أصيب بالشلل أيضا. ولا أحد من الحكوميين انتبه إلى أهمية هذا القطاع الذي يوفر مناصب الشغل لآلاف الأطر والكفاءات المغربية الذين وجدوا أنفسهم أمام مشاريع أجلت ثم ألغيت لاحقا، وفقدوا إثرها مقاولاتهم الشابة وبقيت مشاريعهم متوقفة.
لم يتحرك رئيس الحكومة لتسهيل صرف قروض لهؤلاء الشباب الذين يعملون في مشاريع الخدمات ووحدات الاتصال الدولية والتسويق، رغم أنهم كانوا في السابق يساهمون في جلب العملة الصعبة لاقتصاد المملكة.
الكارثة أن أحد هؤلاء الشباب في مدينة القنيطرة حاول التواصل مع بعض المنتخبين والبرلمانيين لكي يوصل إليهم صوته وصوت زملائه، ليُفاجأ بأن هؤلاء المسؤولين لا يعرفون أصلا بوجود هذه القطاعات ولا يفهمون كيف تبيع مقاولات شابة مغربية خدمات لشركات دولية لا يراها هؤلاء المسؤولون إلا في التلفزيون.
أمام هذا الفراغ الحكومي في التواصل مع المقاولين الشباب أصحاب المشاريع التي تحتضنها المؤسسات الدولية الكبرى المتخصصة، لا يمكن لمسلسل هجرة الأدمغة وإفلاس المبادرات المحلية الفردية في حالات كثيرة، إلا أن يستمر ويبعث اليأس في مبادرات شباب يعيشون في عصر آخر لا يُدركه بعض المنتخبين الذين لا يزالون يفهمون المسؤولية على أنها حملة انتخابية في الأسواق الأسبوعية.