«مسكين.. مات في الطاليان»
يونس جنوحي
«واش هاد الناس جهلو»، بهذه العبارة مرفوقة بنسخة أخبار كاذبة تصوغها يوميا بعض الصفحات المجهولة، استنكر أحد الأصدقاء الذين يعملون في المجال الجمعوي بهولندا الأخبار الكاذبة، بخصوص دفن المغاربة ضحايا وباء كورونا بالديار الهولندية وبعض الدول الأوربية الأخرى، التي عرفت وفيات في صفوف المقيمين المغاربة هناك.
أخبار تدعي قيام السلطات في إيطاليا وهولندا بإحراق جثامين ضحايا وباء كورونا المغاربة، في حين أن الجمعيات وتمثيليات المغاربة المقيمين بالخارج تؤكد أن السلطات في أوربا توجه الجثامين للدفن في مقابر المسلمين، وفق إجراءات تمليها طبيعة الوباء، حتى لا تنتقل العدوى إلى أقربائهم وأحبائهم.
لا يمكن نهائيا أن تقوم سلطات بلد أجنبي بقرار مماثل دون العودة إلى أقارب المتوفين، الذين يعود إليهم في النهاية قرار تحديد الطريقة التي يجب أن يُدفن بها أحباؤهم، حتى في مثل هذه الظروف العصيبة التي يمر بها العالم.
مروجو هذه الأخبار يستندون إلى حالات الطوارئ الكبيرة، التي أعلنتها وزارات الصحة في عدد من الدول الأوربية، واعترافها بوجود أزمة كبيرة في استقبال أعداد الوافدين يوميا، ممن يتم تأكيد إصابتهم بالفيروس، وقيامها بإحراق بعض جثامين المتوفين. وتعزز الخبر أكثر عندما ارتفعت وتيرة الوفيات، خصوصا بإيطاليا طيلة الأسبوع الماضي، لتنضاف إليها إسبانيا أيضا. لكن هذا الإجراء لا يتم نهائيا بدون العودة إلى أقرباء المتوفين.
إن أعنف صفعة وجهها «كورونا» إلى الإنسانية، هي الموت الجماعي الذي لم تعرفه الدول الكبرى، منذ الحرب العالمية الثانية. والألم الذي شيع به المعنيون ذويهم عن بُعد، دون القدرة على طبع القبلة الأخيرة فوق الجبين، هو التذكار الوحيد الذي سوف يتركه هذا الـ«كورونا» في قلوبهم جميعا.
أما العائلات المغربية، فلن يؤلمها أكثر من هذه الأنباء الكاذبة التي تسري في الدواوير والمدن الصغرى كما الكبرى، بشأن مصير المغاربة الذين ماتوا في المهجر دون أن تتحقق أمنيتهم الأخيرة بالدفن قرب أشجار مقبرة العائلة في الدوار أو الحي، الذي غادروه قبل عقود إلى أوربا، لتحقيق حياة أفضل لهم ولعائلاتهم في المغرب.
سُربت أيضا صور شخصية لمهاجرين مغاربة، مرفوقة بعبارات العزاء، في انتهاك صارخ لحياتهم الشخصية وعدم احترام لحرمتهم كموتى. حتى أن بعض المجموعات روجت صورا من حفلات الزفاف لأشخاص، أكدت أنهم ماتوا في مدن إيطالية بسبب «كورونا»، وأن جثامينهم أحرقت بأمر من بلديات المدن التي يقطنون بها، لأن دفنهم مستحيل في ظل تلك الظروف.
في ظل كل هذا، نسينا جميعا أولئك الذين عبروا إلى أوربا ولم يحصلوا بعد على الإقامة، أولئك الذين ترونهم كلما توجهتم في عطل الصيف ونهاية السنة إلى أوربا لقضاء العطل عند عائلاتكم. ترونهم في المساجد وأسفل القناطر وقرب سلالم الميترو في كل مدينة أوربية تقريبا، يستعطفون كل من يحمل سحنة عربية لكي ينفحهم بما في جيبه من سنتات. هؤلاء لا تعرف أوربا هوياتهم الحقيقية، وكثيرون منهم لا يحملون جوازات سفر مغربية، وقد يصابون في أية لحظة بالفيروس، وقد يموتون دون أن يتعرف عليهم أحد.
إن أفضل ما يمكن القيام به حاليا هو كف الأذى عن كل هؤلاء الذين ماتوا هناك، ودُفنوا بعيدا عن شجرة الخروب في الدوار البعيد. لقد كان أقصى ما يحلمون به بعد أن شيدوا منزلا في الدوار من ثلاثة طوابق، هو أن يقيموا حفل تلاوة جماعية للقرآن الكريم في عطلة الصيف المقبل، فإذا بصورهم تتحول إلى مادة تشبع فضوليي «الواتساب»!