شوف تشوف

الافتتاحية

مستنقع المديونية

بكثير من الاستسهال وغير قليل من الاستهتار، تطرق رئيس الحكومة سعد الدين العثماني إلى مستنقع المديونية، الذي يقبع فيه المغرب منذ عقود، داعيا إلى عدم تضخيم موضوع الدين العمومي للمغرب، لأن المديونية الوطنية متحكم فيها، مبرزا أن نسب المديونية مقارنة مع الناتج الداخلي الخام، تعد من أكثر النسب انخفاضا في العالم، وأن المغرب يتفوق على فرنسا في هذا المضمار، قبل أن يقحم الملكية بشكل غريب في موضوع يدخل ضمن الاختصاصات الحصرية للحكومات التي ينبغي أن تتحمل مسؤولية اقتراضاتها وإغراق البلد بالديون الخارجية والداخلية.
لا نفهم من أين يأتي رئيس الحكومة بكل هاته الطاقة الإيجابية لتوزيع رسائل الطمأنة التي لا تنتهي، وإيهامنا بأن شبح القروض غير مخيف وأنه يمكن ترويضه والتحكم فيه، رغم أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات تدق ناقوس الخطر بعد تخطي الدولة سقف ألف مليار درهم من القروض، وأنه خلال الثماني سنوات العجاف التي قاد فيها حزب العدالة والتنمية التجربة الحكومية، تصاعدت موجة الاقتراض الخارجي والداخلي، وتفاقمت المديونية الخارجية بشكل متسارع خلال السنوات الأخيرة، إذ لم يكن الدين العمومي الخارجي يتعدى 234 مليار درهم سنة 2013 ليأخذ منحى تصاعديا، حيث قفز خلال سنتي 2013 و2015 إلى301 مليار درهم، أي بزيادة تفوق 66 مليار درهم خلال عامين، ثم ارتفع بـ12 مليار درهم سنة 2016 ليصل إلى 312.4 مليار درهم، ليقفز بـ20 مليار درهم سنة 2017 متجاوزا عتبة 332 مليار درهم.
ومع ذلك، يحاول العثماني أن يهون من سلبيات القروض ويرى أنها الحل الوحيد للتخلص من المشاكل الاقتصادية عبر استثمارها في مشاريع، والحقيقة أنها كذلك ظاهريا فقط أي أنها – أي الديون الخارجية – ذات فائدة آنية لا تلبث أن تكشف عن جوانب أخرى سلبية، وأقل ما يمكن أن نصف به الديون الخارجية أنها تحولت إلى نزيف حقيقي لثروات الدولة وعبء ثقيل على الأجيال القادمة دون عائدات استثمارية تتناسب مع مغامرة الاقتراض.
والمثير في كلام الرجل الثاني في الهرم الدستوري، اعتقاده الجازم بكون ارتفاع الدين العمومي للمغرب بدون تحديد سقف، والتي ستتحملها الأجيال القادمة، لا علاقة له باستقلالية القرار السيادي الوطني، والحال أن الأبجديات الأولى للتدبير المالي تقول إن عجز الدولة عن سداد ديونها تحت أي ذريعة، أو تلك المرتبطة بالمشاكل الهيكلية المتعلقة بضعف مداخيل الدولة أو العجز التام، فإن الدائن يلجأ لفرض اشتراطات على الدولة المدينة، لاستيراد أمواله وإجبارها على ضرورة اتّباع برنامج يتضمن مجموعة من الإجراءات لإصلاح هيكلية ميزانيتها العامة، وتخفيض العجز في ميزان مدفوعاتها، مما يجعلها تحت الوصاية الاقتصادية والسياسية المرتبطة بأولويات السياسات العمومية.
وينسى العثماني أن الدولة تخصص سنويا 3000 مليار سنتيم قابلة للارتفاع لخدمة الدين الخارجي والداخلي، ولنا أن نتخيل ضخامة هاته الفاتورة التي كان بالإمكان أن تخصص لعملية إنقاذ السياسات الاجتماعية للبلد، خصوصا في ظل نظام مالي يعاني من ندرة الموارد، وعجز مزمن بالميزان التجاري، يلتهم الفائض الخدمي وفوائض التحويلات بنوعيها الرسمية والخاصة، ووجود عجز مزمن بالميزانية العامة واستمرار الديون متراكمة داخلية وخارجية.
لذلك، لا يمكن لخطاب العثماني أن يخفي الشمس بالغربال، فالاقتراض خطر على الدولة والاستمرار فيه بدون ضوابط هو وضع رقبة الدولة المغربية فوق مقصلة المؤسسات المالية تفعل به ما تشاء، غير ذلك فهو مجرد بيع للوهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى