شوف تشوف

الرأيالرئيسية

مستقبل أوروبا وأوكرانيا

عالم ما بعد حرب روسيا- أوكرانيا لا يشبه كثيرا من طموحات أبناء القارة العجوز، لأنهم المعنيون أولا بمناقشة أسباب هذه الأزمة وتداعياتها المرعبة.

وكأن أوروبا، بقيادة فرنسا وألمانيا، تواجه اليوم تحديات يصعب تحديد ماهيتها، كونها تأخذ أبعادا جديدة لصراع داخل أروقة مؤسسة الاتحاد الأوروبي نفسه، ويتبعها جدال عقيم حول أمور سياسية واقتصادية غير مهمة.

ولعل أمريكا هي السبب، بحسب وجهة نظر رئيس وزراء بولندا على الأقل، فالأخير استشهد بزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الثانية إلى بلاده في أقل من عام، معتبرا إياها دليلا واضحا على أهمية وراسو لدى الأمريكان بقدر يفوق الاهتمام ببرلين وباريس.

وهنا يبرز الخلل الموضح لتلك العلل، إذ تعود واشنطن إلى أوروبا مجددا بطريقة عبثية، كما ألمح المستشار الألماني، لتمنح دولا أوروبية مكانة لا تستطيع القيام بواجباتها، متجاوزة في الآن من يسمون «كبار القارة»، على حد وصف وزيرة خارجية فرنسا.

ومن الطبيعي القول إن منطق الحلفاء في التعبير عن وحدة أوروبا وأمريكا في دعم حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هو منطق سياسي موجود إلى حد كبير، لكن الدفع قدما نحو مفاوضات عاجلة مع موسكو هو ما بات الخلاف حوله يزداد.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كما المستشار الألماني أولاف شولتس، لديهما مقاربة إيجابية جدا في هذا المجال، ويعولان كثيرا على جعل باب الدبلوماسية مفتوحا لإنهاء الصراع الأوكراني الروسي، لكن أمريكا ترى أن التأني في منح موسكو فرصة الجلوس على طاولة المفاوضات مع كييف أمر جيد.

ومن المفارقات أن يُقيل الرئيس زيلينسكي المدعي العام في أوكرانيا، بعيد تصريحات للأخير تتعلق بتحقيق مستمر حول «فساد» هنتر بايدن، نجل الرئيس الأمريكي، المعروف بعلاقته التجارية مع أوكرانيا، وهذه إقالة لم يتركها الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، تمر مرور الكرام، بل أفرد لها منشورات مهمة على حسابه في منصته الخاصة.

والرواية المفقودة في مآلات الحرب الجارية، هي غياب الرؤية الواضحة والمتعلقة بمستقبل أوروبا في ظل وجود حرب جديدة تجعل القارة كل يوم على فوهة بركان، خوفا من اندلاع حرب أخرى شبيهة في مولدوفا أو حتى دول البلقان.

إن العجز الأوروبي عن مجاراة أمريكا في الملف الأوكراني، أو حتى التنسيق معها، مرده حرص الأمريكي على الإمساك بدفة القيادة، وجعل أوروبا مجرد راكب يجهل مصيره ولا يعرف متى تنتهي الرحلة، أو أي طريق سيسلك.

ودون أدنى شك فإن مزيدا من التصعيد العسكري، بداية الربيع، سيكون الحدث الأبرز بين الروس والأوكران، والحال من سيئ إلى أسوأ، والعقلاء لا أحد يصغي إليهم، ولا أحد يريد أن يأخذ مبادراتهم السلمية على محمل الجد.

وقد صدق ذلك الأمريكي، الذي أوقف نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب السابقة، في شوارع ولاية سان فرانسيسكو، وقال لها: «لماذا تدفعون مليارات الدولارات إلى أوكرانيا، ومليار منها يكفي لإنقاذ عشرات آلاف المشردين في شوارع ولايات أمريكية عدة؟».

ولعل الدفع مقابل النفع، فساسة الحكم في واشنطن اليوم يستثمرون في الصراع الأوكراني، من أجل تحقيق منافع حزبية ومكاسب انتخابية على المدى القريب، وخزينة أمريكا مشرعة أبوابها، والأيادي التي تعطي الأموال تبحث عن مصالحها.

عبد الجليل السعيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى