مستجدات النقاش البرلماني حول «الفرنسة» تكشف تناقضات فريقي الأغلبية والمعارضة
دافعا عنها أمام عزيمان وعارضاها أمام أمزازي والعودة للتحكيم الملكي واردة
.
رأي المجلس الأعلى للتربية والتكوين/يونيو 2016
تواصلت بالبرلمان، وتحديدا داخل لجنة الثقافة والتعليم، مناقشة مشروع القانون الإطار للتربية والتكوين، حيث شهدت جلسات المناقشة شدا كبيرا للأعصاب، سيما من طرف معارضي إدماج اللغة الفرنسية كلغة تدريس إلى جانب اللغة العربية في المنهاج الدراسي الواحد، كما تنص على ذلك الرؤية الاستراتيجية في أكثر من موضع، فضلا عن تنصيص مشروع القانون الإطار على التوجه نفسه. وشهدت الجلسة الأخيرة انضمام الحزب الأول في المعارضة، الأصالة والمعاصرة، إلى معسكر الرافضين لمفهوم التناوب اللغوي، ليجد وزير القطاع نفسه وحيدا يدافع عن الفرنسة في مقابل فريقي الأغلبية والمعارضة، واللذين نسيا خلافاتهما في قضايا وملفات كثيرة، بعضها ثانوي جدا قياسا للإشكالات الكبرى التي يعيشها البلد، ووحدا رأيهما في الإبقاء على اللغة العربية اللغة الوحيدة في تدريس العلوم والتقنيات، وخاصة في الشعب العلمية. هذا التوحيد يبقى وليد الظرفية السياسية الحالية، في وقت بدأت، منذ الآن، «بروفات» للمعركة الانتخابية القادمة التي سيعرفها البلد بعد سنتين من الآن. حسابات هذه الطرفية فرضت على فريقي الأغلبية والمعارضة استعمال ملف لغات التدريس للاستقطاب السياسي، مع العلم أن الفريقين معا ساندا التناوب اللغوي عندما تم التصويت بالإجماع على الرؤية الاستراتيجية سنة 2015، وسانداه أيضا في الرأي الذي أدلى به المجلس الأعلى للتربية والتكوين بخصوص مشروع القانون الإطار سنة 2016، مع الإشارة، أيضا، إلى أن الفريقين معا كانا مُمثَّلين في اللجنة التقنية التي عُهدت إليها الصياغة الأولية لمشروع هذا القانون. اشتداد الخلاف بين وزير القطاع، الذي يعبر عن رأي المجلس الأعلى والفرق البرلمانية، يؤكد، حسب متتبعين، إمكانية اللجوء مرة أخرى للتحكيم الملكي، كما جرت العادة في القضايا التي يفشل الفرقاء السياسيون في التوافق حولها.
فريق الأغلبية يعارض الفرنسة
جدد برلمانيو الحزب الذي يقود الحكومة موقفهم الرافض لمفهوم التناوب اللغوي الذي تنص عليه ديباجة مشروع القانون الإطار، وكذا المادة 2 منه. هذا الموقف أعلنه بالمقابل «محسن موفيدي»، برلماني العدالة والتنمية، في مداخلة له في اللجنة، حيث خص وزير القطاع سعيد أمزازي برد يهم ورود هذا المفهوم، تصريحا أو تلميحا في الخطابات الملكية، لكون الوزير سبق له، في سياق دفاعه عن الفرنسة، أن اعتبر إجبارية اللغات الأجنبية الواردة في خطاب غشت الماضي بمثابة توجيه ملكي لاعتماد مبدأ التناوب اللغوي. وفي السياق نفسه، اعتبر البرلماني عن الحزب ذاته «رشيد القبيل»، وهو يشغل في الوقت نفسه، مهمة النائب الأول لرئيس لجنة الثقافة والتعليم في مجلس النواب، (اعتبر) أن هناك مادتين بمشروع القانون تكرسان للتشتت اللغوي، وليس التعدد اللغوي. وأضاف القبيل إن «موقف الحكومة من اللغات الأجنبية، وبالخصوص الفرنسية، موقف ضعيف الحيلة والحجة»، مشيرا إلى أن «الأصل في اللغة هو التواصل والانفتاح، والهندسة اللغوية المعتمدة تعقد التواصل». ويرى المتحدث نفسه أن المطلوب هو «تعريب وتمزيغ المحيط الاجتماعي والبيئي والجامعي كذلك»، موضحا أن من يتذرع بضرورة جلب الاستثمار، وجب أن يعرف أن الاستثمار يتطلب الحرية والديمقراطية والشفافية، وليس اللغة الفرنسية، حسب قوله، مؤكدا أيضا أن «اللغة من المصالح الاستراتيجية للبلد، ويجب احترامها، وغير مسموح التلاعب بها، والنظر للمصالح الآنية فقط».
أما فاروق الطاهري، المنتمي للحزب نفسه، فأكد أن الانتقال من الازدواجية اللغوية إلى التعدد اللغوي، يتطلب دراسات لتقييم هذا الانتقال». وهو الاتجاه نفسه الذي ذهب إليه برلماني آخر يدعى إدريس مسكين، والذي تساءل، «هل نؤسس لسياسة لغوية في المدرسة وفق استراتيجية نابعة من ثقافتنا، وهويتنا، أم أن هاجس صياغة سياسة لغوية يتحكم فيه الانحناء للواقع الإقليمي أو الجهوي؟». قبل أن يجيب بأنه «يجب أن نأخذ القرار، ونؤسس للمستقبل، ولن نرضخ للواقع، ونعبئ جميع المغاربة لتحمل القرار، الذي يحدد مصير بلادنا»، مضيفا، في السياق نفسه: «ما الذي حدث حتى يقع الانقلاب على ما تم إقراره في الرؤية الاستراتيجية؟ ولا يجب أن نقول للمغاربة، إنكم مكرهون على تبني لغة لتدريس التلاميذ غير اللغة الدستورية».
فريق المعارضة يعارض أيضا
موقف الحزب الذي يقود الحكومة، والذي بدا منسجما أيضا مع موقف رسمي سبق للحركة الدعوية «حركة التوحيد والإصلاح»، التعبير عنه قبل أسابيع، لم يكن موقفا نشازا في لجنة التعليم، حيث أعلن فريق الأصالة والمعاصرة رفض التدريس باللغات الأجنبية. وقالت البرلمانية فاطمة السعدي، التي تحدثت باسم فريق الأصالة والمعاصرة: «نحن مع التعددية اللغوية، وليس مع التناوب اللغوي ومصوغاته». وأضافت السعدي «هل اللغتان العربية والأمازيغية قاصرتان، وليس بإمكانهما تدريس العلوم، أم أن هناك حيثيات تطبعها المرحلة؟»، مشددة على أن «اللغتين الدستوريتين يمكنهما أداء الوظيفة من دون تفاضل بينهما واللغات الأجنبية». وفي السياق ذاته، عبر حزب الاستقلال، وهو حزب من فريق المعارضة، عن رفضه لمفهوم التناوب اللغوي، حيث أعلن الفريق الاستقلالي، منذ بداية النقاش داخل اللجنة، عن تشبثه بالتدريس باللغة العربية، وإبعاد اللغات الأجنبية. وفي السياق نفسه، تهرب رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، من إبداء موقف في الموضوع، واكتفى بالقول: «ليس هناك تعارض». فخلال جوابه عن سؤال في لقائه بطلبة المدرسة العليا للتجارة بالدار البيضاء، مساء السبت الماضي، حول الخلاف داخل البرلمان، بين معسكري التعريب والفرنسة، بالقول «يمكن الجمع بين التوجهين»، مضيفا بأنه «يجب أن نحافظ على العربية، ونقوي الأمازيغية، ونقوي اللغات الأجنبية لدى التلاميذ، إذ ليس هناك تعارض بين الأمرين، يمكن للتلميذ أن يتقن أكثر من لغة، وإتقان اللغات هو الذي سيقوينا وطنيا واقتصاديا وعلميا ومعرفيا»، حسب تعبيره.
تناقضات وتناقضات
«إجماع» فريقي الأغلبية والمعارضة على رفض مسألة الفرنسة والتشبث بالتعريب، طرح مشكلة تتعلق بالخلفيات الحقيقية لهذا الموقف، خاصة أن كلا الفريقين كان قد وافق، من خلال ممثليه في المجلس الأعلى للتربية والتكوين، على الرأي الذي أدلى به المجلس بناء على طلب رأي تقدم به رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران سنة 2015، وذلك بعد أسابيع قليلة على نهاية الولاية الحكومية. بل وكانا أيضا حاضرين في لجنة الصياغة التي أوكلت إليها مهمة وضع النسخة الأولى للمشروع، مع الإشارة هنا إلى أن اللجنة كان يرأسها قيادي في حزب العدالة والتنمية، بينما قيادي آخر في حزب معارض تم تكليفه بمهمة مقرر اللجنة. مما يعني أن كلا الفريقين لم يكن متفاجئا بورود مسألة فرنسة بعض المواد الدراسية في الشعب العلمية والتقنية. فإذا عدنا إلى نص مشروع هذا القانون، سنجد في مادته الثانية أنه نسخ حرفيا الفقرة الواردة في نص الرؤية الاستراتيجية والواردة في الصفحة 81. أي أن واضعي مشروع القانون اختاروا عدم المجازفة بتقديم تعريف آخر لمفهوم التناوب اللغوي من منطلق أن هذا التعريف سبق تبنيه رسميا في 2015، ولا داعي لإعادة الجدل في الموضوع ذاته في 2019. ولكن فريقي الأغلبية والمعارضة تجاهلا هذه الاعتبارات وأعادا طرح النقاش من الصفر. وتجدر الإشارة هنا بخصوص استنساخ فقرات من الرؤية في مشروع هذا القانون، أن المجلس الأعلى سجل في رأيه الذي عبر عنه في يونيو 2016، لجوء واضعي المشروع لعملية الاستنساخ، ومن بين الفقرات التي استنسخت نجد، كما تمت الإشارة، فقرات التناوب اللغوي. وبالعودة إلى رأي المجلس الأعلى، وتحديدا في الصفحة 13، سنجد أن المجلس يلح على ضرورة «الربـط بيـن التمكـن مـن اللغات المُدرسة وتنويع لغات التدريس، علما أن هــذا هــو عنوان ومــدار الرافعة 13 المكرسة للهندسة اللغوية فـي الرؤية». وكان المجلس واضحا، أيضا، في تبني مفهوم التناوب اللغوي من خلال دعوته إلى «تدقيــق الغاية مــن اعتماد التناوب اللغــوي وإعماله التدريجي بوصفـه آلية تربوية لتنويـع لغـات التدريس في بعض المضامين أو المجزوءات طبقا للرؤية»، مضيفا «أن وظيفة التناوب اللغوي هـي كذلك تمكين المتعلميــن مــن إتقــان اللغــات الأجنبية بالتدريس بها، على أساس تدريس بعض المجزوءات أو المضامين في بعـض المواد، سيما في المواد العلمية والتقنية، باللغـة الفرنسية فـي الإعدادي والثانوي، وبالإنجليزية في الثانوي التأهيلي، طبقا للآجال المقترحة في الرؤية.