شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرسياسية

مسؤولون بوزارة الصحة يعرقلون تحصين السيادة الدوائية

تفويت صفقة اقتناء دواء التهاب الكبد الفيروسي لشركة أجنبية وإقصاء شركات وطنية

محمد اليوبي

خلافا لتوجهات الدولة الهادفة إلى تحصين السيادة الدوائية، عبر تشجيع الصناعة الوطنية، مازالت هناك «لوبيات» نافذة داخل وزارة الصحة تحن إلى العهد السابق بالدفاع عن مصالح الشركات متعددة الجنسيات، بمنح صفقات بالملايير تؤدى بالعملة الصعبة في ظل تداعيات الأزمة.

ويبدو أن بعض المسؤولين بوزارة الصحة لم يستخلصوا الدروس من جائحة كورونا، عندما وجدوا الشركات الوطنية في الصفوف الأمامية لتوفير جميع الأدوية للمواطنين، والدليل على ذلك نتائج الصفقة التي أعلنت عنها، أخيرا،

مديرية الأوبئة وتتعلق باقتناء دواء علاج داء التهاب الكبد الفيروسي من نوع «س»، وهي الصفقة التي تم إلغاؤها سابقا بسبب خروقات واختلالات كبيرة فضحتها جريدة «الأخبار»، ومنها منح ترخيص لشركة أمريكية في ظرف قياسي لتمكينها من المشاركة في الصفقة والفوز بحصة منها، كما أكدت اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية أن طلب العروض رقم 12/2019 المعلن عنه من طرف وزارة الصحة، والمتعلق بتوريد أدوية مضادة للفيروس الكبدي «س»، يحتوي على بنود تمييزية وشروط غير متناسبة مع موضوع الصفقة، وهو ما دفع الوزارة إلى إلغائها.

وبعد الإعلان عن نتائج الصفقة الجديدة التي عرفت مشاركة شركات وطنية تصنع أدوية مضادة لداء التهاب الكبد الفيروسي، تم منح 50 في المائة من الصفقة لشركة وطنية، كانت هي أول شركة تصنع دواء جنيسا بثمن في متناول المغاربة، بعدما كان سعره يقارب 100 مليون سنتيم، أما حصة 50 في المائة الأخرى من الصفقة فمنحتها مديرية الأوبئة لشركة أمريكية تستورد الدواء من الخارج بثمن يفوق الثمن الذي شاركت به الشركة الوطنية الأولى بنسبة 25 في المائة، في حين تم إقصاء الشركات الوطنية رغم أنها قدمت عروضا أقل.

وأفادت المصادر بأن مديرية الأوبئة منحت الصفقة لشركة تستورد الأدوية من الخارج بثمن مرتفع مقارنة مع الشركات الوطنية التي تم إقصاؤها، رغم أن هذه الأدوية لها الفعالية نفسها في العلاج، ولها التركيبة  نفسها المكونة من المادتين الفعالتين «سوفوسبيفير» و«فلبلاسفير». وبرر مسؤولون بمديرية الأوبئة منح الصفقة لشركة أجنبية بكون الدواء الذي تصنعه فعالا بالنسبة للحالات المتقدمة من المرض وتسمى «التشمع الكبدي»، لكن مصدرا مهنيا رد على هذه المبررات بالقول إن الحالات المتقدمة لا تشكل سوى 2 في المائة من الحالات المرضية، وهذا لا يبرر منح 50 في المائة من الصفقة لهذه الشركة.

وأنجزت الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، التي تشرف على التغطية الصحية لكل العاملين بالقطاعين العام والخاص، دراسة حول كيفية ضمان ولوج المغاربة إلى الدواء، وفي الوقت نفسه تقليص كلفة العلاج، وخلصت إلى ضرورة تشجيع صناعة الدواء الجنيس، الذي تنتجه مختبرات الصناعة الوطنية. وأوردت الدراسة أن نسبة الأدوية الجنيسة بالسوق المغربية لا تتجاوز 40 في المائة، مقارنة مع دول تعتبر معقل الشركات متعددة الجنسيات التي تصنع الأدوية الأصلية، حيث تفوق نسبة الأدوية الجنيسة 70 في المائة بأسواق دول كبرى، مثل الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وألمانيا…، والخطير في الأمر أن المغرب لا يحقق سوى زيادة نسبة 1 في المائة سنويا بخصوص الأدوية الجنيسة، ويعني ذلك أنه من أجل الوصول إلى نسبة 70 في المائة، يتطلب الأمر ثلاثين سنة.

وحسب ما يستشف من الدراسة، فإن هناك لوبيات ذات نفوذ قوي تُمارس ضغوطات لكي لا يستفيد المغاربة من الأدوية الجنيسة، ومن بين هذه العراقيل إهمال ملفات الشركات الوطنية بمديرية الأدوية والصيدلة، مقابل تسريع الرخص بالنسبة للأدوية الأصلية التي تستوردها مختبرات تابعة لشركات متعددة الجنسيات، ما يهدد التوجه نحو الاكتفاء الذاتي كتوجه استراتيجي وسيادي.

وكانت اللجنة البرلمانية حول مديرية الأدوية والصيدلة التي شكلها مجلس النواب، خلال الولاية السابقة، أوصت بضرورة تشجيع الصناعة الدوائية الوطنية، وأوضح التقرير أن ذلك من أجل ضمان الاستقلال والسيادة الدوائية وتكريس الأمن الصحي. ودعت اللجنة البرلمانية إلى تشجيع ودعم الدواء الجنيس، وأبرز التقرير أن الاهتمام بالأدوية الجنيسة يعتبر أحد أهم مداخل تنزيل الأوراش الاجتماعية والتنموية المرتبطة بالقطاع الصحي عامة، ومشروع تعميم التغطية الصحية. وأكد التقرير أن الأدوية الجنيسة تتميز بانخفاض ملحوظ على مستوى الأثمنة مقارنة بالأدوية الأصلية مثل علاج التهاب الكبد  الفيروسي «س»، كما مكنت الأدوية الجنيسة المصنعة ببلادنا من تحقيق استقلالية في تموين الأدوية محليا وهذا ما  أكدته أزمة كوفيد 19 الحالية.

وتشير الإحصائيات إلى وجود حوالي 50 ألف مريض يعرفون إصابتهم بالفيروس، فيما يوجد أكثر من نصف مليون مغربي لا يعرفون أنهم مصابون بالفيروس القاتل، حيث يصل عدد الوفيات سنويا لما يقارب 5 آلاف شخص. وتتجلى خطورة الداء في أن أغلب المرضى الذين يعرفون أنهم مصابون بالفيروس يكتشفون ذلك بالصدفة، من خلال الكشف عن أمراض أخرى أو تظهر عليهم بعض الأعراض الجانبية، لذلك وضعت منظمة الصحة العالمية محاربة داء فيروس التهاب الكبد من أولويات اهتمامها في أفق القضاء عليه سنة 2030.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى