مزايا وعيوب التقنوقراطي
جمال مكماني
التقنوقراطي هو شخص يمتلك كفاءة معرفية أو خبرة واسعة في مجال معين، يتميز أداؤه في التدبير بالتطبيق الحرفي لتوجهات الدولة ولاستراتيجياتها، تحول من مجرد مساعد للفاعل السياسي إلى مهيمن على الفعل السياسي، مستفيدا في ذلك من ميل كفة الصراع على المستوى العالمي لصالحه، نتيجة تزايد الطلب على الخبرة والمعرفة المتخصصة والأداء التقني في تدبير الشأن العام. يتميز فعله السياسي بنهج السلوك البراغماتي، والتقليل من أهمية الانتماء السياسي، ولا يبالي بمسألة المحاسبة السياسية، لأنه لا يستمد شرعيته من الديمقراطية التمثيلية. فما هي مزايا وعيوب التقنوقراطي، مقارنة بالفاعل السياسي الحزبي؟
يمكن المجازفة بالقول إنه منذ الاستقلال كان حضور التقنوقراطي دائما من داخل الحكومات المغربية، سواء كمستقل ومحايد سياسيا، أو كمنتمي لا يجمعه بالانتماء سوى الغطاء السياسي، وغالبا ما يكون حضوره وازنا من داخل التشكيلة الحكومية، مقارنة بالفاعل السياسي الحزبي. كما أن القطاعات التي يشرف عليها تكون استراتيجية وذات أهمية تحتاج إلى التكوين والخبرة الاقتصادية، لذلك فهو يقدم نفسه على أساس أنه المنقذ خلال الأزمات، نتيجة امتلاكه للخبرة التقنية والدراية اللازمة بالمخططات الإصلاحية، تتلقى هذه الفئة من الفاعلين السياسيين تكوينها بالمعاهد والجامعات والمدارس الفرنسية، وتمتلك الخبرة من خلال تدرجها داخل الوظائف الإدارية. وإذا كان الفاعل الحزبي يتدرج في الهيئات والتنظيمات الموازية للحزب، ويؤمن بتجديد النخب على أساس تدويرها من داخل التنظيم الحزبي، فإن التقنوقراطي غالبا ما يتدرج في الهيئات والوظائف التي تكون تحت الإشراف المباشر للدولة، لذلك نجد مقاربته في التدبير واقعية، وتهتم بالنتائج المتحققة أكثر من اهتمامها بالآثار الجانبية لذلك، وما يحفزه على ذلك غياب المحاسبة السياسية، ولا يهمه إن كان التدبير ينبني على قرارات أكثر شعبية أو على عكس ذلك.
يتوفر الفاعل السياسي الحزبي على الشرعية الانتخابية والامتداد الشعبي، على عكس التقنوقراطي الذي يفتقد دوما للشرعية السياسية، حتى حينما يتم (استقطابه) من طرف الأحزاب، يُنعت من طرف الرأي العام الداخلي للحزب بالمظلي، بينما ينظر إليه الرأي العام الخارجي على أساس أنه فاقد للتكوين السياسي. لطالما وجد التقنوقراطي صعوبة بالغة في التأقلم مع ميكانيزمات تحريك المصعد الحزبي، بسبب افتقاره للثقافة التنظيمية الحزبية، وتعوده على الجاهز بدل الشقاء الذي تحتاجه عملية البناء. إنه ينطلق دوما من رأسمال جاهز، سواء كان معرفيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا، يحاول من خلاله أن يغطي على ضعفه وقلة خبرته بالشأن السياسي.
إن هيمنة المقاربة التقنية على الممارسة السياسية عالميا، بسبب سيطرة هاجس التنمية على جميع أشكال التفكير الإنساني، وسرعة تقلب الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكذلك عدم القدرة عن الجواب عن سؤال التنمية المزمن.. رفع من وتيرة الشك بخصوص قدرة الفاعل السياسي الحزبي على تحسين المؤشرات الاقتصادية والخروج من الأزمات الاقتصادية المتتالية، وهذا الأمر زاد من حدة نبرة صوت المدافين عن راهنية التقنوقراطي في الجانب المرتبط باستثمار معرفته التقنية. وبدل أن يمتلك الفاعل السياسي الحزبي الجرأة اللازمة لإعلان الصراع مع هذا الفاعل، الذي تحول من مساعد إلى منافس على السلطة، سوف يتماهى مع هذا الوضع نكاية بباقي الفاعلين الحزبيين، بسبب صراعات هامشية لا تعطي أهمية لهذا الكائن الذي يزحف عليهم جميعا بشكل يومي.
بالرغم من محاولة تحزيب فئة التقنوقراط بغية إضفاء طابع الشرعية عليهم، فإن ذلك لا ينفي عليهم ذلك الانطباع السائد لدى الرأي العام، بخصوص غايتهم المتمثلة في التضييق على النخب الحزبية، وتهديدهم للتمثيلية الانتخابية، والاعتقاد بصعوبة محاسبتهم بسبب قوة سلطتهم، لذلك فوجودهم هو تهديد للحياة السياسية والممارسة الديمقراطية. كلما اتسعت دائرة التقنوقراط داخل الحكومات، كلما اتسعت دائرة النقد الداخلي والخارجي من طرف المتتبعين للشأن السياسي، بخصوص الاحتكام إلى المنهجية الديمقراطية في تدبير شؤون الحكومة.
أعتقد أن الفاعل السياسي الحزبي بإمكانه أن يحقق نتائج مبهرة إلى جانب التقنوقراطي، من خلال توليفة تجمع بينهما في التدبير سوف تحقق تكامل أدوارهما، وذلك يجعل التقنوقراطي مساعدا ومكملا للفاعل السياسي الحزبي وليس العكس، من خلال تدبير التقنوقراطي لكل ما هو إداري صرف تحت القيادة السياسية للفاعل السياسي الحزبي، وبهذا سوف نحافظ على مشي السياسة ببلادنا على رجليها، بدل التفكير في جعلها تمشي على رأسها.