مزاج تدبيري سيئ
المصطفى مورادي
كثيرة هي المشاريع الواعدة التي انتهت في قطاعات التربية والتكوين قبل الشروع في تنفيذها. وتكفي العودة للعشر سنوات الأخيرة، أي منذ ظهور المخطط الاستعجالي، لنكتشف العجب العُجاب. فالمسؤولون جهويا وإقليميا استطاعوا بناء «ميكانيزم» تدبيري للتكيف مع عشرات المشاريع التي تردهم كل حين، ويكتفون بإسنادها لرئيس قسم، وهو بدوره يرميها لرئيس مصلحة، لتنتهي في الأخير بين يدي موظفين يعملون في مكاتب مهترئة ثم إلى النسيان. وإذا حصل وتمت متابعة مشروع معين من طرف الإدارة المركزية، وأظهرت إلحاحا في التنفيذ، فإن أقصى ما يمكن لمسؤول جهوي أو إقليمي القيام به هو تكوين لجنة من مفتشين توكل رئاستها لـ«شاعر» يتقن كتابة النصوص التخييلية، لأن كل شيء سينتهي بكتابة تقارير عن إجراءات لم تُتخذ واجتماعات لم تنعقد، وفي أحسن الأحول ستُخصص «شهادات تقديرية» عبارة عن «كارطونة» لا تتجاوز قيمتها 10 دراهم، توزع عشوائيا على تلاميذ أو منشطين أو إداريين في احتفالات آخر السنة على صعيد الأكاديميات أو المديريات الإقليمية، وتنتهي الحكاية، في انتظار السنة الموالية التي ستحمل معها هي أيضا «مشاريع» من الصنف نفسه. وهكذا..
فالأهم هنا هو كتابة التقارير التي لا تقرأ، وإذا حصل مرة أن قُرئت مركزيا فمن أجل البحث عن ذريعة لتصفية حسابات مع مسؤولين بعينهم. والمسألة لا تتعلق بخلفيات سياسية أو مبدئية تحول دون حدوث انخراط جدي للمسؤولين جهويا وإقليميا في المشاريع التي تتم هندستها مركزيا، بقدر ما هو مزاج تدبيري عام. فالمدير المركزي الذي يقف وراء المشروع يعتبر هذا الأخير مناسبة للحصول على ميزانية، وأيضا للسفر، مع ما يستتبع ذلك من تعويضات. وغالبا ما يسافر هؤلاء رفقة زوجاتهم أو صديقاتهم. وهذه السفريات لا تكلف المديرين المركزيين درهما واحدا، لكون مدير الأكاديمية يتكلف «تحت الطاولة» بمصاريف كل شيء. فإلى حدود السنة الماضية، كان مدير مركزي سابقا، وهو مدير أكاديمية سابق أيضا، لا يتنقل إلا رفقة «الحاجة» زوجته، حتى عندما يتعلق الأمر بسفريات خارج المغرب. ومن الطبيعي أن تدفع الوزارة مصاريف السفر، ويدفع مديرو الأكاديميات مصاريف الفنادق الفخمة التي يحل فيها سعادة المدير وحرمه، بينما يتم رمي باقي الموظفين المرافقين في فنادق «زوج فرانك»، أو رميهم في الداخليات. فتتحول رحلة العمل إلى رحلة سياحية مجانية، يتخللها اجتماع واحد يلقي فيها «سعادته» كلمة أعدها له موظفوه.
والحقيقة أن فصيلة هذا المدير المركزي بدأت في الانقراض. إذ بقي من هذه الفصيلة بضعة أفراد سيغادرون قريبا. لكن المزاج التدبيري العام مايزال يسمح بعودة هذه السلوكيات. فالمشاريع المركزية لا تؤخذ بجدية جهويا وإقليميا، لأن مديري الأكاديميات منشغلون فقط بالبناء والتجهيز في جزأين من السنة الدراسية، وبالامتحانات الإشهادية في الجزء الثالث. وفي المقابل نجد أن المشاريع التي تأتي من الجهات لا تقابل بجدية من طرف الإدارة المركزية، لأنها مجرد «خدمة زايدة». الأمر الذي يضطر معه مديرو الأكاديميات إلى تقديم مجاملات عبارة عن استدعاءات، ظاهرها تدبيري بينما جوهرها سياحي، لتحصل مشاريعهم على الموافقة ومن ثمة يحصلون على أشطر في الميزانيات أو يتم غض الطرف عنهم إذا ضموا شطرا إلى آخر لتغطية عجز ما.