مرشح الإخوان في الكاريان
احمرت عيناه.. تصلبت أوراده.. وفي الأخير فقد صوابه:
ـ أنت شيعي.. أنت لست سنيا.. قولك هذا فيه كفر..
لولا تدخل بعض «الإخوان» لبطش بي الشيخ «الألباني»..
نصحت «حليمة» بألا تتزوجه.. إنه شخص متطرف.. سيعذبها لا محالة بتعنته.. وغلوه.. وتنطعه..
لم تعمل جارتي بنصيحتي.. تزوجت «الألباني».. حضرتُ هذا الزفاف.. كأنه مأتم.. دخلت دار «سي براهيم» وقد خيم عليها السكون والحزن.. حضر العرس بعض «الإخوان» من جماعتنا.. وأغلب الحضور كان من السلفيين.. ألقى «شيخ» لهم درسا بالمناسبة.. كان وجها مألوفا.. تحدث عن «الولاء والبراء».. ومحاربة الطاغوت..
قال الشيخ السلفي المغربي المعروف:
ـ لن يصلح حال هذه الأمة إلا الجهاد في سبيل الله..
في هذه الفترة كثر عند السلفيين الحديث عن «الجهاد».. يرفعون لواء الحرب في المسجد.. وفي الكاريان.. وفي كل لقاء لهم.. كان يزورهم شيخهم الكبير في مناسبات معينة.. يحثهم على «الجهاد» (حال هذا الشيخ تغير تماما في زماننا هذا لم يعد يحرم الديمقراطية والأحزاب والانتخابات وبات يستهزئ بكل من ينادي بالجهاد).. ولا أدري مَنْ هؤلاء الذين يعدون لهم العدة لمحاربتهم والقضاء عليهم.. أتخيل أنهم كانوا يعيشون زمنا غير زماننا.. أتخيلهم يعيشون مع «ابن تيمية».. لا يسأمون من ترديد: قال «شيخ» الإسلام ابن تيمية.. وقال الألباني.. وقال فلان.. وقال علان.. حتى كرهت قال وأخواتها..
كنت دائما أحمِّل «ابن تيمية» مسؤولية هذا التنطع الذي ولغ فيه سلفيو وحركيو الكاريان.. كان فكره وبالا على أمة بأكملها.. ومغربنا الأقصى يرفض مطلقا التوجه العدمي لهذا الرجل الذي وصف زورا بأنه «شيخ» الإسلام..
تأسفت على حال «حليمة».. لم تستمتع البئيسة بيوم زفافها.. تحول إلى ساحة للوغى.. احتل السلفيون بيت والديها..
فرض «الألباني» على «حليمة» النقاب.. بعدما فرضت «حركتنا» في ما سبق عليها الحجاب.. تاهت المسكينة في دروب «الإسلاميين».. لم تعد تعرف الصواب من الوهم.. اختلطت عليها الأمور.. حرم عليها «الشيخ» الهمجي كل شيء.. التلفاز.. والفيديو.. والباربول.. أحرق الأفلام «الهندية» التي طالما تفرجتُ عليها عندما قدمت أول مرة إلى الكاريان.. ازداد عنفا وتصلبا عندما علم أنها كانت تمتهن الدعارة قبل توبتها.. عاقبها على ماض لم يكن فيه حاضرا.. فرض عليها حصارا داخل بيتها.. نكَّل بها.. أبرحها ضربا.. حتى أنها ذات مرة استنجدت بي.. دخلت إلى منزلنا.. وتبعها «الألباني» حافيا.. عاري الرأس.. لم يستأذن منا الدخول.. حدثت فوضى عارمة.. كادت أن تقع مصيبة عظمى.. أذكر أن «حليمة» احتمت بظهري.. وتمسكت بجلابيبي بقوة.. لكن الوحش انتزعها بعنف.. واسترجعها إلى بيتها مرة أخرى..
استفرد «الألباني» بـ«حليمة».. كان «يغتصبها» كل ليلة.. استعطفته كثيرا أن يطلقها.. وعندما علم أخوها «عبد الرزاق» بمصيبة أخته.. ومعاناتها مع «وحش» الكاريان.. لم يتمالك الأخ نفسه وهدد الزوج بواسطة «سيف» كان يخبئه في البيت.. هرب «الألباني».. وتبعه أخو حليمة يبحث عنه في كل مكان.. جاء أيضا أخوها «حسن» رئيس البلدية.. تدخلت أنا وبعض الإخوان.. اجتمعنا مع «السلفيين».. وبعد مفاوضات عسيرة طلق «الألباني» «حليمة».. أطلقت النساء «الزغاريد».. وهنأتها الأخوات.. تخلصت نهائيا من النقاب.. واشترى لها أخوها من جديد تلفازا.. فكفرت بالألباني.. وكفرت بما «قال»..
اقتربت الانتخابات الجماعية.. جماعتنا تؤمن بالعمل السياسي.. وبالمشاركة السياسية.. وبضرورة التدافع مع القوى العلمانية من أجل إقامة الدين على مستوى الفرد.. وأيضا على مستوى الأمة.. وهي فكرة ليست جديدة.. كما قلت سابقا، فقد نقلنا كل شيء عن «البنا» (وعمن جاؤوا من بعده).. الذي سطر لجماعته بأن الإسلام دين ودولة.. مصحف وسيف.. كان شعار «إخوانيِّي مصر» هو مصحف يحمله سيفان.. كناية عن العنف والترهيب.. هذه أكبر أذية لكلام رب العالمين.. فبأي منطق يحمل السيف المصحف؟.. أفلا تعقلون؟
لم تجد «الجماعة» في بلدنا صعوبة في إقناع الأتباع بضرورة العمل السياسي.. وأنه لا بد من خوض الانتخابات.. أي إقامة الدين على مستوى الفرد أولا ثم على مستوى الأمة ثانيا.. المرور من دعوة الأفراد إلى «أسلمة» المؤسسات.. أي الانتقال من الدعوة إلى الدولة..
الإسلاميون في العالم يؤمنون بهذه الفكرة.. باستثناء التيار السلفي الذي له وجهات نظر مختلفة بخصوص العمل السياسي.. تقريبا كان شبه إجماع على واجب نقل «الدعوة» إلى أعماق الدولة.. الحلم الكبير للإسلاميين.. ولجماعتنا أيضا هو «أسلمة «المخزن».. أي السيطرة على هذا «المارد» العصي عن الخضوع.. أو ذلك «البوغطَّاط» الذي أفزعني في الصغر..
انتميت إلى «الإسلام السياسي» على هذا الأساس.. أي القصاص من «شيخ البلاد» الذي قهر والدي رحمه الله.. و«الدركي» الذي زور محضر محاكمته.. والقاضي الذي أصدر حكما جائرا باسم الملك..
توهمت أني بانتمائي إلى حركة إسلامية ثورية سأنتقم من «الوزير» الذي يسرق الماء الصالح للشرب ويسقي به عشرات الهكتارات من مزرعته الفلاحية..
اقترح علي «الإخوان» أن أترشح على مستوى دائرة الكاريان في الانتخابات الجماعية.. رفضت هذا المقترح جملة وتفصيلا.. لسبب بسيط هو أني لم أكن مقتنعا بأنه بواسطة الاقتراع العام سنغير شيئا من الواقع..
قلت للإخوان بكل وضوح:
ـ «المخزن» هو من وضع الدستور.. وسنَّ الانتخابات.. وشيَّد المؤسسات.. ورسَّ قواعد اللعبة السياسية.. ففي نهاية المطاف نحن نلعب فوق ميدانه.. ونتحرك داخل دائرته.. ولن يكون بمقدورنا تغيير قواعد اللعب..
على كل حال اختلفت تماما مع جماعتنا في الموضوع.. وفي وسائل العمل السياسي.. لكن كان واجبا علينا الانصياع لأوامر «الزعماء» باسم فرية اسمها الشورى الملزمة.. ومن ثم ضرورة اختيار مرشح ينوب عن الكاريان في هذه الاستحقاقات.. وجدت نفسي في ورطة مرة أخرى.. رشحتُ «أبو أيمن» ليخوض هذا الغمار لكونه ولد الكاريان.. نشأ في دروبه.. ويعرف كل صغيرة وكبيرة فيه.. بدت فكرتي ساذجة للغاية.. فكيف لـ«قائد الحركة الفذ» أن يتواضع ويكون مستشارا باسم منطقة موبوءة كتلك التي نعيش فيها.. فأخي «أستاذ العلوم» هو أكبر من ذلك بكثير.. إنه يطمع في أن يكون برلمانيا.. ولم لا وزيرا في المستقبل.. أو ربما أكثر بقليل.. أو أقل بقليل؟
زعماء «جماعتنا» هم مرشحون منذ البداية للمناصب العليا.. وللمسؤوليات الجسام.. فهم الرعيل الأول.. لهم فضل التأسيس.. والتنظير.. وهم الأذكى لقيادة الأمة نحو بر الأمان..
لم نجد أحدا نرشحه للانتخابات داخل الكاريان.. هذا الأخير لم يتغير حاله أبدا.. مازال الوادي الحار جاثما على أنفاسنا.. الشيء الوحيد الذي يتغير في هذا المكان هم الأشخاص.. منهم من يتوفى، فيستريح من ثقل المكان.. ومنهم من يولد، فيشقى بالعيش فيه.. و«السياسيون» يزورونه زمن الانتخابات.. يتوددون إلى الناس.. يمشون على بطونهم من أجل الجلوس على الكراسي..
وقع الاختيار أخيرا على «حسن» ولد جارنا «براهيم».. هو أخ «عبد الرزاق» و«حليمة».. إنه الشخص المناسب، فهو يشتغل في البلدية منذ وقت طويل.. خبر دهاليزها.. وتعود على دسائسها.. سيكون خير سفير للإخوان في هذه المؤسسة المنتخبة..
شخصيا عارضت هذا الترشيح.. إن جارنا إنسان طيب المعشر.. خدوم إلى أدنى حد.. لكن عرف بالارتشاء بين الناس.. بالإضافة إلى أن زوجته تتحكم فيه بشكل مبالغ فيه.. قلت للإخوان: كيف يحكم الناس من تسيره رفيقته؟
دافع «أبو أيمن» بقوة عن «حسن»، فهو على كل حال جاره.. الأخت «فاطمة» بدورها دافعت عن هذا الاختيار بصفتها المسؤولة عن قطاع النساء بالكاريان..
لم يكن «حسن» يوما من «الإخوان».. لكنه كان ذكيا جدا.. فعندما اقترب موعد الاستحقاقات تودَّدَ بشكل مريب إليهم.. وبالأخص إلى جاره «أبو أيمن».. ربما هذا الأخير كان يعتمد على الأول في قضاء مآرب شخصية.. الأكيد أن «أبو أيمن» سيحتاج إلى «حسن» في الانتخابات البرلمانية.. ونجاح ذاك من نجاح هذا.. الأخت «فاطمة» سبق لها أن عينت «حليمة» أخت «حسن» قيِّمَة على مقر الجمعية.. المفيد أن المصالح بدأت تتشابك بشكل يبعث على الشكوك..
لاحظ «الإخوان» أني غير متحمس للانتخابات.. وغير متحمس بشكل واضح لترشيح «ولد لالة خديجة».. ومما زاد في ترددي هو أني أعرفه جيدا.. أكثر من أي شخص آخر.. كان فراشي بجانب فراش والديه ـ رحمهما الله ـ سمعتهما طيلة سنوات يتحدثان عن ولدهما «حسن».. عن مشاكله في العمل.. ومشاكله مع زوجته.. وخصوصيات حول شخصيته.. ومؤهلاته.. وقدراته..