شوف تشوف

الرأي

مرافعة ضد القانون

الملف رقم ما لانهاية/ جلسة أولى غير قابلة للاستئناف أو النقض
الموضوع: الصحة النفسية
سيدي القاضي
إن ما نحن بصدده اليوم ليس قضية رأي عام أو خاص، فما من أحد إلا وتداوله. مَنْ مِنْ مصلحته فعل ذلك؟
أنا الصحة النفسية أترافع عن نفسي أمام مجتمع مريض/ أنا عضو لا يرى من الجسم، وكلي مخفي ومهمل ومهمش ومنسي، فحتى إن تعب عضو تعبت، ولكن حين تعبت وسئمت تعجّب الجميع لذلك، وإن مرض عضو من الجسم تصارعتم لعلاجه، وحين مرضت أُهْمِلْتُ وركنت في الرّف..
الشهود: يدعى الشاهد المكتئب للإدلاء بشهادته:
أنا المكتئب المليون في بلد اتَّهَم الصحة النفسية بالعهر، ووشمها بالعار، حتى وإن شفيت تظل منبوذة كمن يحمل مرض السيدا.
الدفاع يتقدم، هل من سؤال؟
نعم سيدي القاضي.
السيد المكتئب: من الذي أوصلك لحالة الاكتئاب؟ ومن زكّاها؟
حين يكون قدرك أن تعيش في منفى أزلي يصبح الردى أرحم العقوبات، وتسير على أحلام الربيع بقدم مبتورة مغمض العينين مكتوم الصوت، لا وجهة تحتضنك غير المنفى، حينها تعرف أن غربة النفس سرطان ذميم يفقدك المناعة رويدا رويدا؛ فتصير جثة تحيا اكلنيكيا، وكلما تنفّست ذكرتك بتاريخ من الألم؛ ألم استعصى على أقوى المهدئات وهو ألم الروح الجريحة.
سؤال الدفاع: أنت خارج المصحة، فكيف تواصلت مع المجتمع بعد هذه التجربة؟
أي مجتمع؟ أهو مجتمع الأحكام المسبقة؟ كلٌّ يسن قوانينه، ويصادق عليها، ويطبقها في جمهورية نفسه.. فنحن-المرضى النفسانيين- منبوذون، ووصمة عار غير أكفاء، ولا أهل للثقة، بصريح العبارة نحن مرفوع عنا القلم؛ فالجارة تخاف على أبنائها منا، وأخرى تهمس بنبرة شفقة مخفية قليلا من التهكم: «الله يستر علينا وعلى ولادنا». أما أهل كل مريض نفسي فهم من يصابون بالذعر، يتجنبون إشارات الأصابع، يصمون الآذان عن وشوشة الشوارع.
ـــ الشاهد الثاني يتفضل.
أنا الفاقد الأهلية، أنا الأحمق، أنا من رمى بي مجتمعي عاريا في برد يناير، أنا من صوَّت أهلي على من شيعوا جنازتي مبكرا، وأخرجوا شهادة وفاتي مبكرا أيضا. أتعملون-سيدي القاضي- كم منا دهسته سيارة، وتبعتها أخرى حتى أصبحت أجسادنا كاللحم المفروم؟ أتعلمون أننا نتوسد الأرض، وتغطينا السماء، نأكل من القمامة، ونموت ميتة الكلاب؟ ألديكم علم بِكَمْ من مريض الزهايمر قطن الشوارع لسنوات؟ من همَّه إن كنا حاملين للسُّل أو السرطان أو حتى السيدا؟ ألا يجدر بكم، بدل التضامن مع فتاة مغتصبة كانت ضحية أحمق، أن تحاكموا المسؤولين وفقا للقانون، وذلك لعدم توفير الأمان لشخص في خطر؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى