شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف التاريخ

مذكرات ملك برتغالي خطط لاحتلال المغرب

وثائق شخصية للملك جُمعت بين 1495 و1521

يونس جنوحي

«أورد هذا الملك أنه تلقى سنة 1509 رسالة من سكان آسفي، يرفعون إليه فيها تظلمهم، وكانت وقتها المدينة تحت نظام «الحماية»، الذي استمر طيلة 33 سنة. هذا التظلم يصف المخالفات التي ارتكبها جيش الملك البرتغالي في حق سكان آسفي، ولا شك أيضا أن المخالفات قد طالت أماكن أخرى، لكن رسالة أهالي آسفي لم تُخطئ طريقها إلى يدي الملك.

قرأ الملك إيمانويل تفاصيل مرعبة عن حالات اغتصاب جماعي لسيدات مغربيات من سكان المدينة، وهدم للمساجد والمنازل وإحراق للمؤن، وتعذيب لرجال القرى المحيطة بآسفي وسرقة المواشي».

هذا الملك البرتغالي، إيمانويل الأول، لم يكن متفردا في تاريخ البرتغال فقط، لأنه سمع تظلم المغاربة خلال فترة المد العسكري البرتغالي ما بين سنتي 1495 و1521، ولكن أيضا بل لأن أوراقه ومراسلاته جُمعت في ما يشبه «المذكرات الشخصية»، لواحد من أكثر الملوك الأجانب الذين تركوا بصمة في التاريخ المشترك مع المغرب.

 

 

 

أوراق منسية من حياة الرجل الذي هوت البرتغال بعد عهده.. 

إذا أردتم معرفة أسباب معركة وادي المخازن التي قفز عليها المؤرخون البرتغاليون أو اعترفوا باحتشام ببعض تفاصيلها المؤلمة، لا بد أن تقرؤوا أوراق الملك البرتغالي إيمانويل الأول الذي توفي سنة 1521، بعد أن حكم البرتغال وقاد جيش بلاده واضعا بين عينيه هدفا واحدا، وهو احتلال سواحل المغرب.

حكم الملك إيمانويل الأول البلاد في أوج قوتها، والمؤرخون المحليون يُرجعون الفضل في المكانة التي تبوأتها البلاد بين أمم أوروبا إلى مجهودات الملك إيمانويل الأول، على اعتبار أنه مهندس النهضة العسكرية، وصاحب أفكار المد العسكري في سواحل المغرب.

هذا الملك، عرف منافسة قوية عندما وصل إلى الحكم سنة 1495، مع ملك إسبانيا، وهناك رسائل توثق لمواقفه من مملكة بلجيكا، وتهربه من التاج البريطاني، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالسباق على ضم المستعمرات الإفريقية.

هذه المنافسة، جعلت الملك إيمانويل الأول يحظى بمكانة عظمى لدى أبناء بلده، لأنه «رفع رأسهم بين الأمم»، وهي جملة من أغنية برتغالية قديمة تتغنى بالملك إيمانويل، عندما وصل إلى البلاد خبر سيطرة الجيش البرتغالي على مدينة الجديدة.

في عهد إيمانويل الأول، لم يكتف البرتغاليون بالسيطرة على أهم نقاط المحيط الأطلسي في شمال إفريقيا، والمتمثلة في مرسى الجديدة، بل أيضا وصل الطموح البرتغالي مداه، عندما أعلن الملك البرتغالي عن هيمنة عسكرية على سبتة في البحر المتوسط، وفرض هيمنة على الحركة البحرية الكلمة الأخيرة فيها كانت للبرتغاليين.

هذه الهيمنة الاقتصادية تواصلت إلى حدود 1521، سنة وفاة الملك إيمانويل الأول، وتعززت مع خلفه، في إطار مشروع مد النفوذ البرتغالي إلى أبعد مدى.

لكن الكارثة وقعت عندما حلت معركة وادي المخازن في صيف 1578 اللاهب، الذي جعل جثث القتلى البرتغاليين والإسبان تتحلل بشكل سريع وتزكم رائحتها الأنوف، هدمت كل ما بناه الملك إيمانويل الأول، وهو ما جعل بعض المؤرخين غير الموضوعيين في منطقة «إيبيريا» يُغَيِّبُونَ الدور الذي لعبه إيمانويل الأول ويُخفون وثائقه الخاصة كما سوف نرى في هذا الملف، قبل أن تظهر من جديد في كتاب برتغالي جمع مقالاته وأوراقه الشخصية ومراسلاته التي تضم آراءه في الأحداث وتطلعاته لجعل المغرب مستعمرة تابعة للبرتغال.

وعن مرحلة اضمحلال ما بناه إيمانويل الأول، نذكر هنا مقتطفا من مقال علمي نُشر في مجلة «دعوة الحق»، سنة 1980، يشرح تداعيات تدهور الأوضاع في البرتغال، نتيجة رحيل إيمانويل الأول وانزياح قيادة الدولة عن الأهداف التي سطرها هذا الملك للتوسع في إفريقيا: ««وتقول كتب التاريخ البرتغالية إن السلطان مولاي عبد الملك قد تخوف أول الأمر من مواجهة هذا الجيش العرمرم، فجعل يتراجع تراجعا منظما محكما ليبتعد بالجيش البرتغالي عن قواعده في سبتة وطنجة أولا، وليرغمه على التوغل في ما وراء مدينة أصيلة توغلا ينهك قوة الجنود واحتمالهم في ما بعد. وفجأة هجم المغاربة يوم خامس غشت على الجيش البرتغالي، عند وادي المخازن بالقرب من مدينة القصر الكبير، فلم تكد الشمس تغيب حتى كان الملك سيباستيان قد قتل، ولم يبق من جيشه القوي إلا مجموعات صغيرة من الجنود الفارين، الذين يتسللون لواذا نحو الشاطئ طلبا للنجاة.
وفقدت البرتغال ملكها وجيشها، بالإضافة إلى الأموال الكثيرة التي دفعتها لافتكاك المئات من النبلاء والأعيان الذين وقعوا في قبضة المغاربة، فقد تراوحت فدية كل واحد منهم بين خمسة آلاف وستة عشر ألفا من «كروزادوس»، حتى أن عددا من الأسر الغنية أصبحت تشكو الفقر والحاجة من جراء ما أنفقته للإفراج عن أفرادها الأسرى. ولم تقف عواقب هذه الهزيمة عند ما ذكر، بل إن البرتغال قد فقدت استقلالها، بعد عامين، لما آل الملك فيها بحكم الوراثة إلى «فيليبي الثاني»، ملك إسبانيا، الذي عرف في تاريخ البرتغال باسم «فيليبي الأول».

 

برتغاليون هاجروا إلى المغرب بفضل الملك «إيمانويل»

هاجر برتغاليون كثر إلى المغرب في عهد الملك إيمانويل الأول، وهم مفتخرون بما «حققه» جيش بلادهم في السواحل المغربية المطلة على المحيط الأطلسي.

كانت هجرة البرتغاليين في إطار رؤية للملك إيمانويل الأول، التي أعلن عنها بنفسه في كتاباته عندما قال إنه يفتخر بأن يجعل شمال إفريقيا مفتوحا في وجه رعاياه، لكي يحققوا النهضة الاقتصادية ويرفرف العلم البرتغالي عاليا في كل إفريقيا، وهذا الأمر لن يتأتى إذا لم يرفرف العلم أولا في بوابتها، أي في شمال المغرب.

هذه الإشارة التقطها البرتغاليون، وبدؤوا في حركة هجرة صوب شمال المغرب، ليس في سبتة وحدها التي كانت قاعدة إنزال للبرتغاليين خلال فترة حكم الملك إيمانويل الأول، بل أيضا إلى أصيلة.

أحد الذين حلوا في أصيلة، هو البرتغالي «برناردو رودريكس»، وقد عاش في المدينة ما بين سنتي 1508 و1535، أي خلال فترة حكم الملك إيمانويل الأول، وبقي هناك بعد وفاته بسنوات قليلة.

هذه التجربة وثق لها صاحبها في كتاب، بقي نصه الأصلي مخطوطا في الأرشيف إلى أن حققه باحث برتغالي سنة 1915، ليصدر إلى العموم ويصبح أحد الأعمال التاريخية والتوثيقة المهمة في تاريخ البرتغاليين المشترك. هذا الكتاب تُرجم إلى العربية سنة 2007، على يد الباحث المغربي أحمد بوشرب، المتخصص في الدراسات البرتغالية.

احتلال البرتغال لسبتة يعود إلى فترة ما قبل وصول إيمانويل الأول إلى الحكم، إذ إنها احتُلت سنة 1415، لكن وصول الكاتب برناردو إلى أصيلة كان في إطار سياسة الامتداد التي أطلقها الملك لتعزيز حضور البرتغال في شمال إفريقيا، والمغرب على وجه الخصوص.

هناك كاتب برتغالي آخر مشى على خطوات الملك إيمانويل الأول، وذهب إلى سبتة وقرر أن يقضي فيها بضع سنوات، وكتب كتابا مفصلا عن المدينة وعرف الرأي العام البرتغالي بهذه المدينة المغربية، وعرض كرونولوجيا وصول البرتغاليين إلى سبتة وكيف احتلوها عسكريا وعرض تاريخها أيضا.

هذه الكتابات، شجعت الرحالة البرتغاليين، علما أنهم يحظون بمكانة عالمية كبرى بفضل الحملات الاستكشافية التي قادها رحالة برتغاليون عبر التاريخ، على المجيء إلى المغرب والمساهمة في استكشافه في عهد الدولة السعدية.

ورغم رحيل الملك إيمانويل الأول، وانقلاب الأوضاع، إلا أن البرتغاليين بقوا يتقاطرون على المغرب، حتى بعد هزيمة وادي المخازن، بحسب ما تؤكده بعض الدراسات.

الملك إيمانويل الأول لعب دورا كبيرا في هذا الإشعاع، إلى درجة أن كتاباته الشخصية تعتبر في نظر المؤرخين البرتغاليين المعاصرين واحدة من أقوى المصادر التاريخية على القوة التي كانت عليها البرتغال في عهد هذا الملك، والعمليات العسكرية التي نفذت في المغرب، إما بإيعاز أو مباركة منه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى