مذكرات المغامِرة البريطانية روزيتا فوربس:«الخليفة» اتصل بسكرتير الريسوني هاتفيا من تطوان لاستقبالي
ترجمة حصرية لمذكرات المغامِرة البريطانية روزيتا فوربس
يونس جنوحي:
الفصل الأول: «وصَلَ الشريف»
«-يجب أن تذهبي للقاء قريبي الريسوني لكي تكتبي عنه.
هكذا خاطبني مولاي الصدّيق، في تطوان. ما سبب وجود حدود بين أوربا وإفريقيا، يفوق علوها هذه الجبال؟ لا يمكنك عبورها.
كنتُ قد ذهبت لمقابلة هذا الشريف المسن بخصوص رحلتي إلى «تازروت»، حيث كان يشتغل عميلا في تطوان لقريبه الشهير.
كان منزله جذابا بساحته الصغيرة المزينة بـ«الموزاييك» والمحاطة بالأعمدة التي كانت الإماء والخدم تقفن خلفها لاختلاس النظر، بملابسهن القرمزية وأقمصتهن الطويلة المشدودة بأحزمة حريرية ملونة.
مولاي الصديق كان رقيقا وقويا، عمره يقارب الستين، ولديه لحية رمادية.
كان منظره يشي بأنه مريض، بحكم أنه أيضا «عالِم» يعتبر أن طلب العلم يفرض على صاحبه أن يكون نظيف اللباس حسن المظهر.
كان يرغب في الحديث عن «مغامرات» الشريف لساعات، والذي يعتبر ممثلا له في المنطقة. كانت حركة يديه وهو يتحدث أكثر تعبيرا من حركة شفتيه.
عندما كان يتملكه الحماس أثناء الحديث، كان ينزع عمامته ويضرب قبضتيه مع الأرض، أو يرفعهما أعلى رأسه.
وجدتُه جالسا على الأرض. محاطا بعدد هائل من المجلدات، بينما كانت أخرى مكومة وراءه.
كان عليه أن ينقل عددا منها لكي تتوفر لي مساحة للجلوس. ثم بعدها بدأ في الحديث عن رحلتي، وهو يثبت بين الفينة والأخرى نظارتيه فوق أنفه الطويل.
قال لي:
-الشريف سوف يرحب بك بتشريف كبير. لكن الطريق طويل، وواجبي أن أذهب معك، حتى يتسنى لك أن تسافري بكل احترام.
وهكذا تم ترتيب كل شيء، وتركني لكي يذهب ويتصل هاتفيا بسكرتير الريسوني في منطقة «تازروت»!
عربة «هيسبانو سويزا» العظيمة كانت تخترق الطريق كما لو أنها تفترس خط الغبار المنبعث خلفها. اختفت أسوار تطوان العتيقة وراءنا.
هناك في التلال البعيدة الخضراء، حيث تحدثت الأسطورة عن ملكة البرتغال الأسيرة في قبو مخفي.
كانت حبات الندى لا تزال عالقة فوق قصب السكر الممتد على طول النهر.
الفلاحون كانوا يقودون ماشيتهم نحو الأسواق. الرجال يركبون الحمير، يمسكون في أيديهم العصي لضرب الدواب. بينما النساء كن يرتدين «الحايك» الذي يصل إلى الركبة كاشفا عن سروال حريري سميك. قبعاتهن، التي كانت بحجم المظلات، تخفي وجوههن، ويسرن خلف أسيادهن حاملات لحزم من حطب التدفئة، أو أكياس من الحبوب.
فجأة، ظهر رجل في الأفق، يخفي وجهه بقناع، ويضع بندقية خلف ظهره.
كانت هناك كلمة سر معروفة بين سكان المنطقة للتحذير في حالة الشك.
كانت الأرض تبدأ في الارتفاع شيئا فشيئا. قام السائق بالإسراع مستخدما «سحر» الهندسة، ولم يُبطئ من سرعته ولو لحظة. في المنحدرات كانت العجلات تنزلق في اتجاه الحافة التي لا نهاية لها. كانت الطريق لولبية، حيث أخذتنا إلى الأرض التي تصارع عليها الإسبان والريسوني في معركة مثيرة.
بين خضرة الربيع والزهور المنتشرة في أرجاء التلال، كان هناك مركز للقوات الإسبانية يحرس الطريق. رجلان أو ثلاثة رجال، بقمصان مفتوحة لأشعة الشمس، كانوا يمتطون خيولهم، ومعهم خيمة لونها داكن كلون الصخور الموجودة في المكان. كانوا ينصبون مخيمهم قرب الوادي، حيث تنتشر أشجار الزيتون. بينما كانت أوراق شجرة «الدفلى» متناثرة في المكان.
كانت هناك أيضا ورود يقول العرب إن أي شخص نام وسط أجواء عطرها سيموت لا محالة.
بدت لنا منازل طينية لقرية مغربية. بينما في جانب التل كانت تظهر لنا قبة ولي صالح، ومجموعة من الناس حولها يمارسون طقوس العبادة.
قام أحد الشرفاء بقيادة حصانه في اتجاه القبة بخطوات متسارعة، بينما كان أحد الخدم يسبقه جريا إلى الأمام ويصيح:
-أفسحوا المجال لضيف الله، أفسحوا المجال لضيف الله المبارك».
ترجمة حصرية لمذكرات المغامِرة البريطانية روزيتا فوربس