ترأس الملك محمد السادس، خلال الأسبوع الماضي بالقصر الملكي بالرباط، جلسة عمل خصصت لتتبع البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027. ويندرج هذا الاجتماع في إطار العناية والرعاية السامية اللتين يوليهما الملك، محمد السادس، لقضية الماء ذات الطابع الاستراتيجي، والتي كانت، على الخصوص، موضوع التوجيهات الملكية الهامة التي تضمنها خطاب افتتاح البرلمان في أكتوبر الماضي وثلاث جلسات عمل ترأسها الملك.
إعداد: محمد اليوبي
سبق لوزير التجهيز والماء، نزار بركة، أن كشف، في اجتماعات بالبرلمان، عن معطيات مقلقة حول ندرة المياه خلال هذه السنة، ما يهدد العديد من المناطق الحضرية والقروية بأزمة العطش في فصل الصيف المقبل، حيث كانت سنة 2022 من أكثر السنوات جفافا وتميزت بارتفاع غير مسبوق في درجة الحرارة، وتميزت هذه الفترة بكونها السنة الثانية الأكثر حرارة بعد سنة 2020 وذلك منذ 1981 سنة، فيما فاق متوسط الحرارة المعدل العادي بحوالي 1 درجة مئوية.
عجز في الموارد المائية
حسب أرقام كشف عنها الوزير بركة، شهدت المملكة، منذ فاتح شتنبر 2022 وإلى 13 فبراير 2023، تساقطات مهمة، وأشار الوزير إلى أن مجموع المعدل الوطني قدر بـ 75,9 ملم عوض 38,8 ملم في الفترة ذاتها من السنة الماضية، أي بفائض نسبته 95,6 في المائة. وفي الفترة نفسها، بلغت المساحة المغطاة بالثلوج 5720 كلم متر مربع عوض 4480 كلم مربع في السنة الماضية، أي بزيادة 30 في المائة.
وبخصوص الواردات المائية، فقد بلغت 2,15 مليار متر مكعب، أي بزيادة نسبتها 192 في المائة مقارنة مع حجم الواردات بالسدود للفترة نفسها من السنة الماضية. وأكد الوزير أن هذا التحسن المهم في الواردات المائية رفع المخزون بالسدود إلى 5,14 مليارات متر مكعب، أي ما يعادل 31,8 في المائة نسبة ملء إجمالي مقابل 33,4 في المائة خلال الفترة ذاتها من السنة الماضية.
أما بخصوص التساقطات المطرية المسجلة على المستوى الوطني، خلال الفترة 2018-2023، فقد قال بركة إنها عرفت تراجعا مهما، مبرزا أن 2022 كانت السنة الأكثر جفافا منذ عام 1945، والأكثر حرارة منذ عام 1981. وفي هذا الصدد، سجل الوزير أن الموارد المائية الطبيعية للمملكة تناهز 22 مليار متر مكعب، منها 18 مليار متر مكعب سطحية و4 مليارات متر مكعب مياها جوفية قابلة للاستغلال، لافتا إلى تراجع الواردات المائية في السنوات الأخيرة.
وأوضح الوزير أن شح الأمطار، خلال الموسم الفلاحي الماضي، كانت له انعكاسات سلبية نتيجة للاستغلال المفرط للمياه الجوفية الموجهة للسقي وللتزود بالماء الشروب، ما أدى إلى انخفاض قياسي في مستوى المياه ما بين ناقص 3 وناقص 6,85 متر.
وخلال سنة 2022، تم تسجيل عجز بنسب تتراوح ما بين 20 و47 بالمائة على صعيد أحواض كير-زيز-غريس، درعة- واد نون، سبو، اللكوس، والساقية الحمراء- وادي الذهب، وعجز بنسب تتراوح ما بين 51 و54 بالمائة على صعيد أحواض أم الربيع وتانسيفت وسوس- ماسة، ملوية وأبي رقراق والشاوية.
ونتيجة لما سبق، فإن الحجم الإجمالي للواردات المائية المسجل بمجموع السدود الكبرى للمملكة خلال الفترة نفسها هو 1.98 مليار م3، وهو ما يشكل عجزا يقدر بـ 85 بالمائة مقارنة بالمعدل السنوي للواردات.
ويتبين، من خلال تحليل المعطيات المتعلقة بالواردات المائية، أن الفترة الممتدة من 2018 إلى 2022 من أشد الفترات جفافا على الإطلاق، حيث بلغ إجمالي وارداتها حوالي 17 مليار متر مكعب، وهوما أصبح يشكل أدنى إجمالي واردات خلال خمس سنوات متتالية. وبهذا تعرف جميع الأحواض المائية عجزا مهما أثر على الإمدادات المائية انطلاقا من السدود لتلبية الحاجيات المائية لبعض المراكز والدواوير والدوائر السقوية.
وبالنسبة للموارد المائية الجوفية، عرفت جل الفرشات المائية انخفاضا في مستوى الماء بسبب ضعف التساقطات المطرية والاستغلال المفرط للمياه الجوفية؛ فضلا عن أن الطبقات المائية عرفت معدلا مهما في انخفاض مستوى المياه (أكثر من متر في السنة) تهم طبقات سوس، وسايس، والحوز، وتادلة والبحيرة… والتي عرفت معدلا أقل انخفاضا في مستوى المياه (أقل من متر في السنة) همت الفرشات المائية لعين بني مطهر، وبرشيد، والشاوية، وأنجاد، والرمل، والغرب والعيون.
ناقوس الخطر
أمام وضعية الموارد المائية والعجز الحاصل في عدة أحواض مائية والخاص ببعض المنظومات المائية الأساسية، ومباشرة بعد تعيين الحكومة، قامت وزارة التجهيز والماء بدق ناقوس الخطر حول الانعكاسات المحتملة على وضعية التزويد بالماء الشروب ومياه السقي. وتمت تعبئة جميع المتدخلين في مجال الماء حيث تم عقد عدة اجتماعات على المستويين المركزي والجهوي من أجل استباق الحلول الممكنة لتجاوز هذه الوضعية المائية الاستثنائية من خلال ابتكار حلول مندمجة تمزج بين استعمال المياه السطحية والمياه الجوفية وكذا تحويل المياه بين الأحواض المائية، إضافة إلى الاقتصاد في الماء واللجوء إلى استعمال المياه غير الاعتيادية والتي تهم تحلية مياه البحر وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة.
وأفاد وزير التجهيز والماء بأن المخزون المائي المتوفر حاليا بالسدود سيمكن من تأمين حاجيات الماء الصالح للشرب بالنسبة لجميع المدن الكبرى المزودة انطلاقا من السدود في ظروف عادية، باستثناء تلك الموجودة بأحواض ملوية وأم الربيع وتانسيفت وكذلك كير زيز غريس التي من المرتقب أن تعرف بعض الصعوبات في التزويد بالنظر الى المخزون المائي الحالي الضعيف بالسدود في هذه الأحواض.
ولمواجهة هذه الوضعية، تم إعداد مجموعة من الاتفاقيات بين مختلف المتدخلين من أجل تنفيذ مجموعة من الإجراءات الاستعجالية الرامية إلى ضمان التزويد بالماء الصالح للشرب بمختلف مناطق هذه الأحواض، بكلفة مليارين و42 مليون درهم موزعة على حوض ملوية بـ 1318 مليون درهم، وحوض أم الربيع بـ 202 مليون درهم وحوض تانسيفت بـ522 مليون درهم.
ولضمان التزويد بالماء الصالح للشرب ومواجهة آثار الوضعية المائية الصعبة التي تشهدها أو ستشهدها بعض مناطق المملكة، أكد الوزير أنه تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستعجالية، بتنسيق بين مختلف المتدخلين، تتمثل في تفعيل لجان اليقظة في مختلف العمالات أو الأقاليم في المناطق التي تعاني خصاصا، وتسريع أشغال تزويد المراكز القروية والدواوير انطلاقا من منظومات مائية مستدامة، في إطار المخطط الوطني للتزويد بالماء الشروب والسقي 2020-2027 الذي تم إعداده تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، وتقوية عمليات استكشاف موارد مائية إضافية، خصوصا عبر إنجاز أثقاب لاستغلال المياه الجوفية والاقتصاد في استعمال الماء والحد من الهدر، خصوصا بقنوات الجر والتوزيع.
وتشمل هذه التدابير، أيضا، وفق الوزير، مباشرة حملات تحسيس واسعة النطاق لإقرار التعامل العقلاني مع الموارد المائية، وتزويد المراكز والدواوير التي تعاني من شح الموارد المائية والبعيدة عن المنظومات المائية المهيكلة عن طريق شاحنات صهريجية، تخصيص دعم مادي مهم من أجل إنجاز مشاريع للتزويد بالماء الشروب، وذلك في إطار البرنامج الوطني للتقليص من الفوارق الترابية والاجتماعية، فضلا عن إيقاف سقي المساحات الخضراء بواسطة الماء الشروب واللجوء إلى استعمال المياه العادمة المعالجة حال توفرها.
وبخصوص الحالة الراهنة لوضعية التزود بالماء الصالح للشرب بالعالم القروي، أشار بركة إلى أن البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، خصص محورا خاصا لتقوية التزويد بالماء الصالح للشرب بالمجال القروي بغلاف مالي يقدر بحوالي 27 مليار درهم، وتابع أن هذا المحور يرمي إلى تعميم التزويد بالماء الصالح للشرب بالوسط القروي وتأمينه عبر مشاريع مهيكلة والقضاء على الهشاشة التي تعرفها بعض المناطق، خصوصا خلال فترات الجفاف، وذلك من خلال تسريع وتيرة إنجاز عدد مهم من المشاريع تخص 820 مركزا قرويا وأكثر من 18 ألف دوار.
وخلال الاجتماع الأخير، الذي ترأسه الملك، تم تخصيص اعتمادات إضافية هامة بما يمكن من رفع ميزانيته الإجمالية إلى 143 مليار درهم. وتمت الإشارة في هذا الإطار إلى تسريع مشروع الربط بين الأحواض المائية لسبو وأبي رقراق وأم الربيع، حيث يتم حاليا إنجاز الشطر الاستعجالي لهذا الربط على طول 67 كلم، وبرمجة سدود جديدة وتحيين تكاليف حوالي 20 سدا يتوقع إنجازها، والتي ستمكن من الرفع من قدرة التخزين ب 6.6 مليارات متر مكعب من المياه العذبة، وتسريع مشاريع تعبئة المياه غير التقليدية، من خلال برمجة محطات لتحلية مياه البحر والرفع من حجم إعادة استعمال المياه العادمة المعالجة، بالإضافة إلى تعزيز التزود بالماء الصالح للشرب في العالم القروي، من خلال توسيع التغطية لتشمل المزيد من الدواوير وتعزيز الموارد اللوجستية والبشرية المعبأة.
وسبق للمدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب أن أكد، أمام لجنة البنيات الأساسية بمجلس النواب، أنه بالنسبة للمدن الكبرى، التي تتولى بها الوكالات وشركات التدبير المفوض مهمة التوزيع، سيتم تزويدها بالماء خلال فصل الصيف عموما بصفة منتظمة ودائمة، باستثناء مدينتي وجدة ومراكش، اللتان ستعرفان بعض الخصاص في التزويد نظرا للانخفاض الكبير للموارد المائية السطحية التي تزودهما، وتابع أنه، بخصوص المدن والمراكز التي يتدخل بها المكتب على الصعيد الوطني، سيتم تزويد معظمها بصفة عادية ودون أي عجز خلال صيف 2022، باستثناء 54 مدينة ومركزا ستعرف بعض العجز.
تغيرات مناخية
أفاد تقرير أعدته المديرية العامة للأرصاد الجوية حول «الحالة المناخية للمغرب سنة 2022»، بأن هذه السنة تميزت بكونها سنة الظواهر الجوية القصوى. فهي سنة جافة وشديدة الحرارة، بل تعتبر السنة الأكثر حرارة على الإطلاق في المغرب، منذ أكثر من أربعين عاما، متجاوزة بذلك الرقم القياسي الذي سجلته سنة 2020، إذ فاق متوسط الحرارة لسنة 2022 المعدل المناخي العادي لفترة 1981-2010 بحوالي 1.63 درجة مئوية.
وبالإضافة إلى ذلك، يضيف التقرير، فإن الموسم الفلاحي، الذي يتزامن مع السنة الهيدرولوجية الممتدة من 01 شتنبر 2021 إلى 31 غشت 2022، يعد الموسم الأكثر جفافا خلال الأربعين سنة الماضية، مع عجز سنوي في الأمطار بلغ حوالي 46 بالمائة كما تعتبر سنة 2022، الممتدة من فاتح يناير إلى 31 دجنبر، رابع سنة جافة على التوالي في المغرب مع عجز سنوي في نسبة هطول الأمطار بلغ حوالي 27 بالمائة، مع العلم أن السنوات الأخيرة 2019-2022 تميزت بكونها الأربع سنوات المتتالية الأكثر جفافا منذ ستينيات القرن الماضي على الأقل، حيث تميزت بفارق في هطول الأمطار بلغ ناقص 32 بالمائة مقارنة بالمعدل المناخي.
إضافة إلى ندرة التساقطات وارتفاع درجات الحرارة، تميز عام 2022 كذلك بحرائق أتت بشكل غير مسبوق على 23 ألف هكتار من المساحة الغابوية للمغرب وتسببت في أضرار مادية وخسائر بشرية. ومن ناحية أخرى، ونتيجة لصعود ظواهر جوية استوائية، عرفت المناطق الجنوبية ومرتفعات الأطلس والسفوح الجنوبية الشرقية وكذا الجزء الجنوبي من شرق البلاد، نشاطا رعديا هاما خلال موسم الصيف تسبب في عدة فيضانات خلفت أضرارا محدودة في الممتلكات.
وحسب التقرير، فإن حالة المناخ بالمغرب تعد جزءًا من سياق عالمي يتميز بزيادة مطردة في تركيزات الغازات الدفيئة، ما جعل السنوات الثماني الماضية تصنف على الصعيد العالمي بكونها السنوات الأكثر حرارة على الإطلاق. وكان للكوارث المرتبطة بالطقس والماء والمناخ، مثل موجات الحر الشديد والجفاف والفيضانات، أثر بالغ على ملايين الأشخاص وكلفت خسائر تعد بمئات المليارات من الدولارات.