مدن بأيادٍ ناعمة
لم يعد منصب عمودية المدن الكبرى حكرا على الرجل ومجالا محفوظا للسياسيين من الذكور، فلأول مرة في تاريخ الانتخابات المغربية، تم وضع الثقة في ثلاث نساء لرئاسة الثلاث مدن الكبرى (الدار البيضاء، الرباط، مراكش). صحيح أننا لسنا في مستوى الطموح الدستوري، الذي يسعى لتحقيق المناصفة في تولي المناصب الانتدابية، لكن أن توضع الثقة في بعض النساء لتدبير أكبر المدن المغربية، في ظل هيمنة العقلية الذكورية على الممارسة والقرار السياسيين، فهذا في حد ذاته خطوة جبارة، بالرغم من أن المرأة استطاعت أن تثبت منذ سنوات حضورها الفعال والناجح في مختلف الميادين التي كانت حكرا على الرجال في ما مضى.
نعلم أن الفجوة بين النساء والرجال في تولي المناصب السياسية والإدارية في الوزارات كبيرة جدا حيث لم تتجاوز نسبة تمثيلية المرأة 10 في المائة، وحتى حقيقة ترؤس ثلاث نساء من حزبي التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة للمدن الكبرى، تواجه بالكثير من التشكيك والاعتراض في السر والعلن، لكن لا سبيل لإدماج الطاقات النسائية في مراكز القرار السياسي والإداري سوى دعم الرفع من تمثيلية النساء مجتمعيا وقانونيا.
والمسألة هنا لا ترتبط بمنطق الواجهة السياسية أو تأثيث المنظر السياسي حتى يقال إن المغرب يتوفر على معدل محترم لتمثيلية المرأة في المؤسسات، القضية هنا هي اعتماد مبدأ معيار تولي المسؤولية على أساس الكفاءة والقدرة على التدبير وتحقيق أفضل النتائج، ولو كانت الطبقة السياسية والنخبة الإدارية تعتمد هذا المعيار لكنا أمام حضور جارف للنساء في مختلف مناصب المسؤولية، ولحال دون تحول المرأة إلى شبه ظل يتحرك خلف الرجل.
واليوم هناك رهان كبير أمام رئيسات المدن الكبرى لهدم تلك الأساطير الوهمية التي تقلل من كفاءة المرأة وقدرتها على العطاء والإنجاز، نحن أمام نبيلة رميلي، عمدة البيضاء التي ستجد نفسها في قيادة قاطرة تنمية الاقتصاد المغربي، المدينة الميتروبولية التي تجتذب أكثر من 40٪ من وحدات الإنتاج في البلاد و 56٪ من المجتمع الصناعي، ويتركز فيها 30٪ من الشبكة المصرفية، وتُسهم بنسبة 44٪ من الإنتاج الصناعي للمملكة. وتُسيطر على 33٪ من الصادرات الصناعية الوطنية وتبلغ ميزانية تدبيرها 4000 مليار سنتيم.
وفاطمة الزهراء المنصوري، عمدة مدينة مراكش التي تعد من المدن الرئيسية التي تساهم في خلق 10% من الثروة الوطنية، حيث تحتل مراكش المرتبة الثالثة بمداخيل تناهز 5000 مليار سنتيم سنويا، ولا أحد يمكن أن يتجاهل قوة المدينة الحمراء في علاقتها المتميزة في الأنشطة السياحية التي جعلت من المغرب إحدى الوجهات المفضلة في العالم.
أما أسماء اغلالو، عمدة مدينة الرباط، ثالث أكبر مدينة في المغرب وعاصمة المملكة الإدارية، فستكون أمام تحدي الرفع في قيمة العاصمة في خلق الثروة الوطنية، واستكمال الأوراش الملكية الكبرى المتعلقة بعاصمة الأنوار ومشروع تهيئة ضفتي أبي رقراق.
نحن، إذن، أمام مدن تدبر بأيادٍ ناعمة، والهدف هنا أن تتحول مدننا إلى ما هو أفضل بعد ست سنوات من الهيمنة الأحادية التي قادت للفشل، وهاته فرصة كذلك ليقع تحول جذري في الإيمان بقدرة المرأة على تحقيق ما عجز عنه نصفها الآخر من الرجال.