مدرسة المشاغبين
لا بد أن مؤسسي حزب الاستقلال وخطباءه المفوهين تقلبوا في قبورهم وهم يسمعون برلمانية استقلالية، من خريجي مدرستهم، تقوم أمام مسمع ومرأى من المغاربة باعتداء شنيع على اللغة العربية، في تدخل برلماني تحول في ما بعد إلى مادة للسخرية بين الأصدقاء والخصوم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وقبل سقطة هذه النائبة الاستقلالية، عاش برلمان الولاية 11 مهازل خلال تدخلات البرلمانيين والوزراء، بدأت بالفعل تؤثر على صورة وسمعة المؤسسة التشريعية التي كانت دائما مجالا للخطابة ومنصة للمنبرية وحلبة للجدل السياسي.
لا ندعي أن تملك فن الخطاب، والتحكم في قاموس اللغة العربية، هو عنوان للكفاءة والاستحقاق، فقد يكون للوزير أو البرلماني مهارات وكفاءات وتجربة عالية ومسار مهني ثري بالمسؤوليات والمنجزات، لكن البرلمان ليس مدرسة للتهجي أو لتعلم أبجديات اللغة العربية، بل هو فضاء للمشرعين الذين يصنعون القانون ويعدلونه وينسخونه ويقيمون السياسات العمومية ويحلون محل المواطن لمراقبة الأداء الحكومي، وهذه حرفة لن يتقنها برلمانيون يجدون صعوبة قصوى في قراءة بضع كلمات مشكولة ومكتوبة بخط كبير.
والمطلوب أن يتوارى إلى الوراء البرلماني الذي يجد صعوبة في أخذ الكلمة، إلى حين التوفر على الحد الأدنى من المهارات الخطابية، باعتبار المهام والمسؤوليات المسندة إلى البرلمانيين بالغة الأهمية، ولسنا في حاجة لكي تتحول تدخلاتهم إلى مسخرة، فلا نريد أن يصبح برلماننا مادة للتندر لدى خصومنا، أما سخرية أبناء جلدتنا فمقدور عليها ويمكن تحملها.
إن الوضع الطبيعي في كل البرلمانات هو أن يكون المنتخبون والمنتخبات بالمؤسسة التشريعية في المستوى المطلوب لغويا وسياسيا، من أجل الرفع من جودة العمل البرلماني وتحسين صورته في أذهان المواطنين، لا أن يهدموا ما تبقى من وضع اعتباري لهاته المؤسسة، التي ارتقى بها الدستور إلى سلطة، بمداخلات وتعقيبات يندى لها الجبين. وهنا بالضبط تتحمل المسؤولية الكاملة الأحزاب السياسية، التي كانت مهووسة بكسب المقاعد البرلمانية، بغض النظر عن «البروفايلات» المرشحة، فلم يكن يهمها هل يمكن للمرشح أن يتحدث بضع ثوان بطلاقة، بل يشغلها فقط مدى قدرته على جني المقعد بأمواله وقبيلته وعلاقاته.
اليوم هناك حاجة ماسة إلى تحلي الأحزاب السياسية بقدر من المسؤولية والصرامة، في اختيار من سيصعد المنصة تحت قبة البرلمان، لكي يتكلم باسمها.
ولكي لا تتحول هاته الحالات المعزولة إلى ظاهرة مسيئة تمس بصورة برلماننا وبلدنا، لا بد لرؤساء الفرق أن يقوموا بأدوارهم في ضبط توزيع المداخلات، بعيدا عن المحسوبية والعلاقات الشخصية والمجاملات، فالتدخل البرلماني أمام الملايين من المغاربة ليس لعبة نتسلى بها أو يشكل دورا مسرحيا نستمتع به، بل هو مهمة دستورية تستوجب القدرة والكفاءة والحرفية، وهذه خصال ليست فطرية، بل يمكن اكتسابها بالجدية والمثابرة و«الكوتشينغ».