مدام بوطالب.. السر الكبير الذي تفانى عبد الهادي بوطالب في إبقائه بعيدا عن الضوء
إذا كان بعض مشاهير السياسة في تاريخ المغرب قد اشتهروا بعلاقاتهم وربما زيجاتهم أيضا، فإن عبد الهادي بوطالب، السياسي والأكاديمي والمستشار السابق للملك الحسن الثاني، كان قد نجح في دخول غمار السياسة والالتحاق بمحيط القصر الملكي قبل الاستقلال، وقبل أن يتزوج أيضا.
في محاولة «الأخبار» للتقرب أكثر من البيت الداخلي للراحل عبد الهادي بوطالب، كان الملاحظ أن أغلب السياسيين والمتابعين أيضا، لم يكونوا يعلمون أي شيء عن زوجة عبد الهادي بوطالب. لكن بعض المصادر أكدت أن «مدام بوطالب» كانت تحظى بعلاقة طيبة مع الأميرات، خصوصا في الفترة التي كان فيها زوجها مستشارا مقربا من الملك الراحل، قبل أن تبعدها معه ما أسماه عبد الهادي قيد حياته بـ«دسائس القصور».
الأكثر من هذا أن بعض الذين كانوا يترددون على منزل عبد الهادي بوطالب، حسب روايتهم دائما، لاحظوا أن زوجته لا تكون في استقبالهم، وبوطالب نفسه كان يروي كيف أنه يستقبل رجال الدولة الكبار خلال سنوات الستينات، أيام كان وزيرا للتعليم وبعدها أيضا عندما أصبح وزيرا للعدل، ثم في وزارة الإعلام كذلك، لكن لم يسبق أبدا لمصدر أو له شخصيا، أن أشار إلى حضور زوجته في مناسبة رسمية أو غير رسمية برفقة الوزراء أو كتاب الدولة.
المصادر ذاتها تعود لتؤكد أن الوسط المحافظ الذي نشأ فيه عبد الهادي بوطالب، والتقاليد الفاسية القديمة التي تربى فيها، تحكمت كثيرا في صنع سياسة موازية ارتضاها لنفسه ولم يكن يتدخل فيها أحد من أصدقائه أو معارفه أو «زملائه» لتغييرها. وهكذا ظل بوطالب وفيا للوسط العائلي الذي تربى فيه، والذي تربت فيه زوجته أيضا، ولم تكن لتعترض على الجدار السميك الذي ضُرب بينها والحياة العامة، في وقت كانت زوجات وزراء آخرين يصلن ويجلن ويربطن العلاقات، وربما اشتهرت أسماؤهن في عالم العقار والصفقات التي تكون الدولة طرفا فيها. وهو ما جر على أزواجهن متاعب كبيرة، على غرار ما وقع أثناء محاكمة الوزراء المرتشين بداية السبعينات، حيث أطلق الملك الراحل الحسن الثاني حملته الشهيرة لمحاسبة بعض الوزراء لتورطهم في أعمال غير قانونية مستغلين مناصبهم الوزراية، وتبين أن زوجات بعضهم كنّ وراء استفحال الفساد المالي لأولئك الوزراء.
النتيجة كانت أن زوجة عبد الهادي بوطالب كانت بعيدة جدا عن محيط عمل زوجها ولم يكن تجمعها بزوجات الوزراء إلا زيارات قليلة في فضاءات بعيدة تماما عن حفلات السياسيين أو لقاءاتهم، رسمية كانت أم غير رسمية.
وشوهد عبد الهادي بوطالب رفقة زوجته في أماكن كثيرة، حسب ما أفادت به بعض المصادر التي كانت مقربة من بوطالب عندما كان سفيرا «فوق العادة» في الولايات المتحدة الأمريكية بداية السبعينات، وأفادت أن «الكوبل» كانا مثل أي زوجين عاديين، خصوصا وأن السيدة بوطالب كانت بعيدة تماما عن ضغط العمل السياسي لزوجها.
نعود إلى علاقة زوجة عبد الهادي بوطالب بمحيط القصر الملكي. فقد كان من المتوقع أن تكون زوجة مستشار الملك، تتردد على القصر برفقته، لأن الملك الحسن الثاني كان حريصا على أن يتتبع كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالمقربين منه، فما بالك بعبد الهادي بوطالب الذي كان أستاذا له ونشأت بينهما صداقة ساهمت في التحكم في طبيعة العلاقة الوطيدة بينهما حتى بعد أن أصبح الحسن الثاني ملكا. وهكذا كان لا بد أن تكون زوجته قريبة من عالم نساء القصر، شأنها شأن زوجها الذي كان واحدا من رجاله.
حتى الذين تناولوا حياة عبد الهادي بوطالب، قيد حياته وبعد وفاته أيضا، لم ينجحوا في اختراق بيته إلا من خلال الصالون الفسيح الذي اعتاد أن يجالس فيه زواره، في سنوات الشدة كما في سنوات الرخاء، أيام كان وزيرا أو مستشارا وحتى في الأيام التي كان فيها «مُبعدا» من محيط الملك الحسن الثاني، بسبب الصراعات الحامية بين الوزراء والمستشارين وأقوياء الجيش، وكل الذين زاروه في كل هذه المراحل، كانوا يجدون «بوطالب» واحدا، لكل تلك المحطات. وهكذا فقد كانت علاقتهم بمستشار الملك لا تتجاوز كراسي الصالون، أو مكتبه الخاص في أفضل الحالات، حيث كان منكبا، في السنوات التي كان فيها بعيدا عن القصر، على التأليف في الفكر الإسلامي، تخصصه الأول، وفي السياسة أيضا. وهكذا كان عبد الهادي بوطالب قد نجح في عزل حياته الخاصة تماما عن الحياة العامة، في وقت كانت زوجات الكثيرين قد عدن عليهم بأفضال كثيرة، وصلت حتى نسج العلاقات النافذة لتعيين الأزواج في مؤسسات عمومية. ولا شك أن بوطالب لقي انتقادات بسبب طبعه المحافظ، إلا أنه نأى بنفسه عن «السّنة» التي كانت متبعة في ملتقيات الرباط الفاخرة، لتبقى «مدام بوطالب» ظلا لمستشار الملك في بيته وفي دهاليز القصر فقط.