مخجل جدا
كشف المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الأخير، عن أن 18 حزبا من أصل 34، أدلوا بحساباتهم داخل الأجل القانوني، فيما بلغت نسبة إيداع حسابات الحملات الانتخابية للمترشحين 85 في المائة، بحوالي 4380 مترشحا من مجموع 5.146 ملزما.
من المخجل جدا أن تتخلف الأحزاب السياسية وممثلوها عن إيداع كشوفات حساباتهم لدى المحاكم المالية، فهذا لوحده كاف لفقدان الثقة في العمل السياسي، فكيف يمكن للمواطن أن يثق في حزب أو مرشح حصل على أموال دافعي الضرائب، دون إثبات أوجه صرفها.
لكن إذا كان بعض الطبقة السياسية لا تخجل من نفسها، فما على الترسانة القانونية إلا أن تتحرك بكل الصرامة اللازمة لمواجهة هذا العبث، وإذا لم تكن المقتضيات القانونية كافية لزجر مثل هذه الممارسات، فما على المشرع سوى اتخاذ ما يلزم لحماية المال العام من الاعتداء تحت ذريعة حصانة السياسي.
إن أحد المخاطر التي تهدد منظومة الحكامة الجيدة ومبادئ الشفافية والمحاسبة ببلادنا، أن تتحول مؤسسة دستورية مثل المجلس الأعلى للحسابات إلى مشتكٍ من تصرفات السياسيين، وكأنه مجلس لا حول ولا قوة له، وهذا بالفعل ما نتجه إليه بثبات، إذا استمرت الأحزاب في ممارساتها المخالفة للقانون، ونتذكر رفض حزب العدالة والتنمية إعادة أموال الانتخابات غير المستحقة، قبل أن يضطر بضغط من وزارة الداخلية إلى إرجاع الأموال العمومية بالتقسيط.
لا يمكن أن نعيد السيمفونية نفسها خلال كل تقرير سنوي للمجلس الأعلى للحسابات، أحزاب تتأخر عن تقديم كشوفات حساباتها، منتخبون لا يتفاعلون مع الحكامة المالية، منتخبون يتهربون من تقديم تصاريح بثرواتهم في المهلة القانونية.
لقد سئم المغاربة من غياب المساءلة والمحاسبة في مواجهة الجميع، فلا يكفي أن يحيل المجلس بضعة ملفات من آلاف الملفات على القضاء لنقتنع بقيام المحاسبة والمساءلة، لقد تم السمو بالمجلس الأعلى إلى مؤسسة دستورية ومنحت له صلاحيات كبيرة، وآن الأوان أن يحين منظومته القانونية والمؤسساتية، ليكون في مستوى الطموحات المنتظرة منه.