حسن البصري
منذ أن شارك في الموسم الرياضي الماضي ضمن طاقم تحكيم مباراة “الديربي” بين الوداد والرجاء بمركب محمد الخامس، لم يظهر للحكم الدولي عادل زوراق أثر، وكأن ملاعب الكرة ابتلعته.
منذ أن عاد الحكم الدولي نور الدين الجعفري من مدينة بركان مزهوا بقيادة مباراة في عاصمة البرتقال، اختفى الرجل عن الأنظار. مر على الحدث حين من الدهر لم نعد نسمع فيه صوت صفارته في ملاعبنا.
منذ شهور اختفى الحكم المساعد محمد فرح عن الأنظار ولم تحمل تعيينات المديرية اسمه، وتبين أن الفرح الذي يلازم اسمه العائلي مصادر إلى إشعار آخر. في قطاع التحكيم البعيد عن العين بعيد عن التعيين.
لسنا في حاجة لإطلاق نداء البحث عن مختفين من الملاعب، فقد كان الثلاثة يرتدون نفس الملابس ويحملون نفس الصفارات ونفس التقاسيم الصارمة.
لا ندري ما الخطب، هل استقالوا أم أقيلوا أم اختاروا المغادرة الطوعية هروبا من لازمة تطلقها المدرجات عند كل صفارة منفلتة، «آلاربيط أمسخوط الواليدين»؟ حتى اعتقدنا في طفولتنا أن الحكم عاق.
هل نحتاج لتقنية «الفار» كي نبحث عن حكم خرج ولم يعد؟
كثير من الحكام علقوا صفاراتهم، نسوا بذلات التحكيم عند صاحب المصبنة، ومنهم من تسللت عوامل التعرية لتعبث بألوان بطاقات الزجر الصفراء والحمراء، والتي لم تعد صالحة إلا لتنبيه طفل في حالة تسلل.
لا أحد يملك حقيقة غياب ثلة من الحكام الذين اختارتهم “الفيفا” و”الكاف” للفصل بين المنتخبات في المحافل القارية والدولية، فلا بلاغ ولا تقرير ولا إدانة رسمية، ما يفسح المجال لتناسل الإشاعات المغرضة وغير المغرضة.
يشمل الاختفاء بعض المندوبين الذين غابت عنا ملامحهم، لولا إطلالاتهم في منصات التواصل الاجتماعي، وثلة من المراقبين الذين أصبحوا يراقبون الناس، رغم إيمانهم بالقول المأثور: «من راقب الناس مات هما».
منذ أن سقط اسمه من “الكاف”، غاب أحمد أحمد الملغاشي، قال نداء الاختفاء إن الرجل شوهد آخر مرة في حي أكدال بالرباط، وقيل إنه يملك شقة ملكية مشتركة وزوجة على سبيل الإعارة وسيارة وسائقا كان مندوبا للمباريات قبل اعتزاله اللعبة.
غاب رئيس فريق عن الأنظار، فوض توقيعاته للراسخين في علم الكرة، كان يرتدي سروالا من فصيلة «جينز» بدون جيوب، وقميصا صوفيا ومعطفا أسود اللون، وكلما حاول حواريوه الاتصال به حرض العلبة الصوتية فصدتهم بعيدا عنه.
الحكام في بلدي يقودون مباريات احترافية ويفصلون بين لاعبين بمخصصات مالية خيالية وعقود تعاني من السمنة المالية، لكنهم، باعتبارهم قضاة ملاعب، لا يملكون عقودا ولا مستشهرين ولا رعاة إلا دعوات الوالدين.
إنهم كائنات غريبة، لا يقترب منهم الصحافيون، ومن شدة تكتمهم يعتقد الناس أن حاسة النطق عندهم معطلة وكل ما يملكونه صفير ولغة إشارات.
ولأنهم الأوصياء على فرجة بدون هرج، فقد تقرر إسقاط مهنة «محلل تحكيمي» من جدول مهن القطاع السمعي البصري، وتسريح ما تبقى من محللين والاكتفاء بعين «تقنية الفار» التي تنام.
تقول تقارير مديرية التحكيم إن المغرب يعاني من نقص حاد في حكام الكرة، وأنه يحتاج للمزيد من الحكام كي يحقق الاكتفاء الذاتي من قضاة وأعوان الملاعب، بل إن تقارير سرية ذهبت إلى حد المطالبة بتمديد تقاعد الحكام وتشجيع أبنائهم على ولوج مهنة تمنح صاحبها شتيمة مع كل صافرة.
إذا اختفى سياسي عن الأنظار ووضع نفسه في ثلاجة الانتظار ترتفع أسهمه الانتخابية، وحين يعود لملاعب السياسة يحصد الإعجاب، وحده الحكم كلما غاب واختفى تنتهي صلاحيته الكروية ويصبح لاعبا للكرة الحديدية.
ولأن الصحافة تعتبرهم «قضاة ملاعب» فما المانع لتأمين حمايتهم وتقاعدهم بضمهم لقطاع العدل؟