محنة الطبيب
اعترف وزير الصحة، أول أمس، بوجود خلل كبير في جاذبية القطاع الصحي العمومي، مشيراً إلى أن هناك أطباء عموميين يرفضون الاستقرار في أماكن بعينها في المغرب. والحقيقة أن هذا الرفض يسائل السلطات لأنه لا يعقل أن يشعر الطبيب بالراحة ويقبل عن طيب خاطر التعيين في القرى والمداشر والجبال بتعويضات سلم 11 التي تمنح للمتصرفين في الإدارات العمومية، بل هناك وظائف يحصل فيها الموظف على أضعاف أجرة الطبيب الذي تحول إلى موظف عادي، بل أصبح أقل من بعض العاملات في المنازل، وهذا ليس تقليلًا من أحد، بل لهن كل الاحترام، ولكن الأمر يعكس قلة تقدير الطبيب، وهذا أمر صعب جدا خصوصا في بلد فيه معدل طبيب لأكثر من 10 آلاف نسمة.
لقد كانت فداحة الثمن الذي دفعه المغرب نتيجة استهداف الوضعية المادية والاعتبارية للطبيب، خلال الحكومات المتعاقبة، هو النزوح الجماعي للأطباء للعمل بعقود مغرية في دول أخرى مثل فرنسا وألمانيا وكندا والدول الخليجية. ولولا جائحة كوفيد 19 التي خففت من وتيرة هجرة الأدمغة لاستمر النزيف إلى غير نهاية. والمؤسف حقا أن الدولة تنفق سنويا في سبيل تكوين الأطباء ميزانيات ضخمة جدا، وتفتح لهم مجانية التعليم على مر السنوات في الجامعة العمومية وقبلها بالأطوار التعليمية الثلاثة، ليستفيد من مهنتهم غيرنا في المستقبل.
إن مجريات الأمور المتوجة بفتح الاستثمارات أمام المشاريع الصحية الأجنبية تحتم على الحكومة إيجاد حل سريع للوضعية المادية والاعتبارية للطبيب حتى يستفيد من خدماته العمومية المواطن في كل بقاع الوطن وإلا ستكون التبعات كارثية على المستشفيات العمومية ما لم يتم وضع حلول سريعة لها. لأنه لا يعقل أن الطبيب يمضي سنوات عديدة للحصول على شهادة الدكتوراه، وبعدها بشهور يصبح موظفا هشا معرضا للفقر والتشريد، فيما موظف عادي بالبرلمان أو وزارة المالية أو أحد مستخدمي المؤسسات العمومية يعيش بحبوحة الوظيفة العمومية بأجرتها وعلاواتها وتعويضاتها اللامتناهية.
المؤكد أن هناك من يريد عن قصد أو غير قصد أن يرسل رسالة إلى الطبيب تخيره بين الهجرة إلى الخارج لتحسين أوضاعه المادية، أو البقاء في الوطن مع الصبر، وأحيانا المشاركة في الاحتجاجات والإضرابات التي لا تأتي سوى بالوعود.