محمد السادس يميط اللثام عن كواليس عرض معاهدة وجدة على استفتاء شعبي
عزيز الحور
لعل مضامين معاهدة الاتحاد العربي الإفريقي بين المغرب وليبيا التي جعلته مثيرا للانتباه، خصوصا مع استحضار الظرفية السياسية والجيو-استراتيجية التي سبق أن ذكرنا. ذلك أن المعاهدة كانت تتحدث عن اتحاد بين الدولتين يترجم عبر هياكل مشتركة وينص على توافق مواقف المغرب وليبيا في السلم والحرب، إلى درجة أن أحد بنود المعاهدة يؤكد أن كل اعتداء على دولة من الدولتين يعد اعتداء على الدولة الأخرى.
وبالتالي، وللأهمية البالغة لهذا الاتحاد والآثار القانونية المترتبة عليه تم تمرير معاهدة إنشائه عبر عدة مراحل، إذ لم يتم الاقتصار على اتفاق موقع بين رئيسي الدولتين، الحسن الثاني ومعمر القذافي، بل تم عرض الاتفاقية على استفتاء شعبي للحصول على موافقة المواطنين.
وتوقف الملك محمد السادس عند جميع هذه المراحل، بدءا بإعداد البيان المشترك المعلن عن إنشاء الاتحاد، إذ يقول الملك في بحثه: «أشار بيان مشترك مغربي ليبي صادر في نفس اليوم إلى قيام العقيد معمر القذافي، قائد ثورة الفاتح من سبتمبر، بزيارة عمل للمملكة المغربية على إثر المباحثات التي تمت من خلال تبادل الرسائل والبعثات بين رئيسي الدولتين لاستعراض كل الوسائل التي من شأنها تعزيز أواصر الأخوة بين البلدين وتوسيع مجالات التعاون بينهما. وقد توبعت هذه المباحثات خلال الزيارة المذكورة وانتهت باتفاق على إبرام معاهدة ينشأ بمقتضاها اتحاد يضم المملكة المغربية ودولة الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية، وأشار البيان إلى أن الطرفين يهدفان من إقامة هذا الاتحاد إلى توثيق الروابط العربية وبالتالي خطوة تاريخية في سبيل تحقيق وحدة الأمة العربية والعالم الإسلامي، ولتحرير فلسطين والقدس الشريف. وانتهى البيان المذكور بتسجيل التوقيع على المعاهدة المنشئة للاتحاد بين الطرفين بشرط الموافقة عليها من قبل شعبي البلدين طبقا للإجراءات المعمول بها في كل من الدولتين». توقيع الحسن الثاني على المعاهدة، كما يوضح ولي عهده آنذاك في بحثه، كان بموجب مقتضيات دستور سنة 1972 الذي يشير إلى اختصاص الملك بالتوقيع على المعاهدات، وكان هذا التوقيع، كما يذكر الملك محمد السادس، في إطار ممارسة الحسن الثاني لاختصاصاته الدستورية.
أما الرئيس الليبي، يضيف الملك في كتابه، فقد وقع على هذه المعاهدة بصفته قائدا لثورة الفاتح من سبتمبر. يردف الملك، منبها إلى ملاحظة سياقية مهمة في هذا الصدد: «تجدر الملاحظة إلى أنه منذ سنة 1977 تحولت ليبيا من جمهورية إلى جماهيرية، بمعنى أنه أدخل على نظامها الدستوري تغييرات تعتمد على ما يسمى بسلطة الشعب التي تمارس بواسطة المؤتمرات واللجان الشعبية»، وهنا يحيل الملك محمد السادس على الكتاب الأخضر الشهير الذي كان قد أعده القذافي بنفسه واتخذه دستورا لليبيا.
بيد أن معاهدة الاتحاد العربي الإفريقي نصت على عدم الاقتصار على توقيع رئيسي الدولتين، بل فرضت تصديقا شعبيا يضمن للاتحاد القيام على أساس الإرادة الشعبية، كما يذكر الملك في كتابه، موضحا أن ذلك ما كان يتوخاه الحسن الثاني والقذافي. وفي هذا الصدد يورد الملك في الكتاب، بعد عرض مستفيض لمذاهب التصديق على المعاهدات على ضوء القانون الدولي والنظام الدستوري المغربي: «المصادقة بهذا الأسلوب تؤكد حقيقتين لا يمكن إنكارهما، أولهما أن معاهدة الاتحاد العربي الإفريقي جاءت بأشياء جديدة لم ينص عليها الدستور المغربي، إذ جعلت من المغرب عضوا في اتحاد للدول مع ما يترتب على ذلك من ضوابط والتزامات وهيئات وأجهزة مشتركة، وثانيها أن هذه المصادقة تضمن قيام الاتحاد على أساس الإرادة الشعبية، وهو ما كان يتوخاه الطرفان».
وبالفعل، فقد عرضت معاهدة وجدة على استفتاء شعبي شهير يروي الملك محمد السادس ملابساته ونتائجه بقوله: «تمت الموافقة بالفعل، بحسب هذا الأسلوب، على المعاهدة المنشئة للاتحاد العربي الإفريقي من قبل شعبي المملكة المغربية والجماهيرية العربية الليبية يوم الجمعة 31 غشت 1984. فقد عقد مؤتمر الشعب العام الليبي دورة استثنائية صادقت خلالها 1374 من المؤتمرات الشعبية الأساسية على الاتحاد، وهو ما يعادل الموافقة الإجماعية للشعب الليبي.
أما في المغرب، فقد صادق الشعب المغربي على المعاهدة عن طريق الاستفتاء بـ7.490.514 صوتا مقابل 2.130 صوتا. وبذلك دخلت حيز التنفيذ يوم فاتح شتنبر 1984، إذ وافق عليها الشعبان المغربي والليبي عن طريق الاستفتاء عملا بالمادة السادسة عشرة من الاتفاقية، وطبقا للإجراءات المعمول بها في كل من البلدين. ومن البديهي أن قبول الارتباط بهذه المعاهدة بصورة نهائية، وهي من صميم القانون الدولي العام، إنما يعادل اعتراف الطرفين بإلزامية أحكامها، وبأن الالتزامات الواردة فيها ليست مجرد التزامات أخلاقية، بل التزامات قانونية».
وفي الوقت الذي ذكر فيه الملك محمد السادس، الذي كان شاهدا على كل هذه المجريات، أن الملك الحسن الثاني والعقيد معمر القذافي تبادلا برقيات «عبرا فيها عن ارتياحهما لنتائج الاستفتاء»، ناشرا، ضمن ملاحق البحث، البرقيتين اللتين يدعوان فيهما الحسن الثاني والقذافي بعضهما البعض بعبارة «أخي»، فإن الاتفاق المغربي الليبي لم يخل من ردود فعل دولية «تتراوح بين التأييد والمعارضة، أو تتسم بالحذر والانتظار»، كما يذكر الملك محمد السادس.