شوف تشوف

الرئيسية

محمد السادس: هذه هي الحالات التي يمكن فيها للمغرب وليبيا التدخل عسكريا بشكل مشترك

من بين مجالات التضامن الذي خلقه الاتفاق المغربي الليبي المجال الدفاعي، كما سلف تحديده في بحث الملك محمد السادس لنيل الإجازة، والذي نحن في غمرة استقراء مضامينه. هذا يعني أن معاهدة وجدة ألزمت البلدين بالدفاع عن بعضهما البعض في حالة تعرض أي منهما لعدوان خارجي. الأمر يعني، كما أسلفنا، أن الحسن الثاني تمكن، بلفتة ذكية، من توجيه مدفعية القذافي نحو المغرب، خلال حرب الرمال والمواجهات مع فلول البوليساريو، نحو عدو خارجي مفترض. فكرة الدفاع الجماعي عن النفس هاته مقررة في معاهدة وجدة، كما يوضح الملك، على مبدأ آخر يسمى «مبدأ المساعدة المتبادلة» في حالة التعرض للعدوان، وهو مبدأ متأسس بدوره على ما هو وارد في ميثاق هيأة الأمم المتحدة، والذي يحصر اللجوء إلى الدفاع الجماعي عن النفس في حالات في مقدمتها التعرض لعدوان مسلح. يقول الملك شارحا ومفصلا: «لا مجال لتطبيق هذه المادة إلا في حالة قيام دولة ثالثة بعدوان مسلح على أحد الطرفين. وقد وضعت الجمعية العامة لهيأة الأمم المتحدة تعريفا للعدوان الذي يجيز ممارسة حق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي بقرار أصدرته سنة 1974. فقد نصت المادة الأولى من هذا القرار على أن العدوان هو «استخدام القوة المسلحة ضد السيادة والسلامة الإقليمية والاستقلال السياسي لأية دولة أو على وجه يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة». وقد أعطت المادة الثالثة من هذا القرار أمثلة لأعمال العدوان المسلح وهي الهجوم والغزو، والاحتلال العسكري – ولو كان مؤقتا-، وقصف إقليم دولة أخرى بالقنابل أو بأية أسلحة أخرى، ومهاجمة القوات المسلحة البرية والبحرية والجوية التابعة لدولة أخرى، وفرض الحصار على موانئ وشواطئ الدولة، وإرسال العصابات والجماعات المسلحة والقوات غير النظامية والمرتزقة للقيام بأعمال مسلحة تعادل في خطورتها الأعمال السالفة الذكر». يضيف الملك محمد السادس مستدركا على المقاربة الأممية لموضوع الدفاع الجماعي عن النفس قائلا: «ورغم أن ميثاق الأمم المتحدة قيد ممارسة الدفاع الشرعي الفردي والجماعي بوقوع أعمال عدوانية مسلحة، إلا أنه لم يضع معايير محددة له. ويمكن الأخذ مع ذلك بعدة معايير في هذا الصدد ومنها المعيار الإقليمي ومعايير الأسبقية ومعيار الخطورة، والمقصود بالمعيار الإقليمي خرق حدود دولة ما من قبل دولة أخرى قسرا عنها ورغما عن إرادتها. ومؤدى معيار الأسبقية أو معيار البدء بالعدوان أن الدولة التي تبدأ باستخدام القوة هي الدولة المعتدية. أما معيار الخطورة فيترتب عليه عدم اعتبار المناوشات وحوادث الحدود البسيطة كما لو أطلقت فرقة صغيرة من حرس الحدود النيران، من قبيل العدوان المسلح الذي يجيز ممارسة الدفاع الشرعي الفردي والجماعي»، وهنا يحيل الملك دراسة خاصة ضمنها عبد الواحد الناصر، الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس- أكدال والذي أشرف على بحث الملك رفقة زميله محمد رشدي الشرايبي. غير أنه رغم تضمين معاهدة وجدة تنصيصا على الدفاع العسكري المشترك إلا أن هذا التنصيص ظل مختصرا ولم يفصل في حيثيات تعاون عسكري بين البلدين، على خلاف مواد قانونية واردة في اتفاقيات مشابهة. وفي هذا الصدد يقول الملك: «وعلى هذا الأساس، فإن الاعتداء الذي تقصده المادة الثانية عشرة من المعاهدة المنشئة للاتحاد العربي الإفريقي، تقتضي تعرض أحد الطرفين لعمل من أعمال العدوان المسلح المذكور، وهذه الأعمال وحدها هي التي تجيز ممارسة حق الدفاع الشرعي الجماعي من قبل الطرفين وليس هذا الالتزام التزاما جديدا من قبل الدولتين. فقد نصت عليه المادة الثانية من معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة العربية الموقعة في 17 يونيو 1950 بالإسكندرية، إذ نصت هذه المادة على أنه تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح يقع على أية دولة أو أكثر منها أو على قواتها اعتداء عليها جميعا، ولذلك فإنها عملا بحق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي عن كيانها، تلتزم بأن تبادر إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها، وبأن تتخذ على الفور منفردة ومجتمعة جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما. وتطبيقا لأحكام المادة السادسة من ميثاق جامعة الدول العربية والمادة الحادية والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة يخطر على الفور مجلس الجامعة ومجلس الأمن بوقوع الاعتداء وما اتخذ في صدده من تدابير وإجراءات». لكن، وكما يتضح، فإن مقتضى الدفاع العسكري المشترك جاء مفصلا في معاهدة جامعة الدول العربية على حق معاهدة وجدة بين المغرب وليبيا، وهو ما ينتبه إليه الملك كاتبا: «بيد أنه بالمقارنة بين نص المادة الثانية عشرة من معاهدة وجدة والمادة الثانية من معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة العربية، يتضح أن المادة الأولى – أي المادة الثانية عشرة من معاهدة وجدة- قررت فقط مبدأ الدفاع الشرعي الجماعي وهو المبدأ القانوني الذي نصت عليه المادة الحادية والخمسون من ميثاق الأمم المتحدة، بل إن معاهدة وجدة لا تتضمن أي نص آخر حول هذا الموضوع، باستثناء المادة التابعة التي تنص على أن السياسة المشتركة في مجال الدفاع تهدف إلى «صيانة استقلال كلا البلدين»». هنا تطرح تساؤلات بالغة الأهمية هي: «لماذا أجملت اتفاقية وجدة الحديث عن التنسيق العسكري بين المغرب وليبيا ولم تفصل فيه؟ ولماذا ركز الملك محمد السادس في بحثه على فحص المادة التي تنص على الدفاع المشترك في المعاهدة على ضوء ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية جامعة الدول العربية قبل الخلوص إلا أن ما ورد في معاهدة وجدة لا تستتبعه حيثيات كالتي تتبع مقتضيات الاتفاقية العربية؟» الجواب يتضح من خلال العودة إلى سياقات توقيع معاهدة وجدة والجو السائد حينها فضلا عن ردود الأفعال والقراءات التي خلفتها الخطوة إقليميا ودوليا، فقد سبق أن ذكر الملك في مستهل بحثه أن الاتفاق المغربي الليبي فسر على نحو خاطئ من قبل الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية على وجه التحديد، بحكم الخلاف الاستراتيجي الحاصل بين المغرب والجزائر من جهة وليبيا والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، وقد كان مبعث التخوف تحديدا هو احتمال وجود تنسيق عسكري بين المغرب وليبيا في ظل الجو المشحون بين الأطراف المذكورة. لذلك فالملك محمد السادس لم يتوقف، في بحثه، عند التلميح إلى أن مادة التنسيق العسكري بين المغرب وليبيا لا تحتمل كثيرا من التأويل فقط، بل استتبع ذلك بتصريحات طرفين المعاهدة، أي المغرب وليبيا، التي تبدد، ضمنيا، أي تخوف من وجود اتفاق عسكري مضمر بين البلدين. ولهذا يورد الملك في نهاية حديثه عن التعاون الدفاعي بين المغرب وليبيا، في إطار حديثه عن مجالات التضامن المقررة في معاهدة وجدة بين البلدين، ما يلي: «يؤكد ذلك ما صرح به جلالة الملك الحسن الثاني بشأن هذا الموضوع، بأنه لا توجد أية مواد عسكرية في المعاهدة، وقال بالحرف الواحد: «أستطيع أن أؤكد لكم أنه الميدان الوحيد الذي لم يتم فيه تبادل وثائق سرية، أما فيما يخص المادة المتعلقة بالتضامن في حالة وقوع اعتداء على أحد العضوين في الاتحاد، فهي مادة تقليدية اقتبسناها من ميثاق جامعة الدول العربية»»، وهنا يورد الملك، على هامش الصفحة، إحالة تصريح الملك الحسن الثاني وهو مقتطف من حديث جمعه بصحافيين فرنسيين من جريدة «لوموند». لم يقتصر الملك عند لفت الانتباه إلى توضيح المغرب لطبيعة التنسيق العسكري المغربي الليبي بموجب معاهد وجدة، بل أتى بتوضيح الجانب الليبي قائلا: «كما يؤكد ذلك التصريحات الصادرة عن رئيس الدبلوماسية الليبي (وهنا يحيل الملك على تصريحات علي عبد السلام التريكي لمجلة تدعى «الحوادث» صادرة بلندن وأوردتها جريدة «رسالة الأمة» في عدد صادر يوم 29 أكتوبر 1984) بشأن البنود المتعلقة بالدفاع المشترك في معاهدة وجدة، فقد صرح هذا الأخير بأن «بنود الدفاع المشترك هي جزء من اتفاق الدفاع المشترك العربي، وأن الدفاع المشترك ما بين ليبيا والمغرب يعني أنه لو حصل عدوان من قبل دولة غير عربية على المغرب سنهب لمساعدته، والعكس صحيح»».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى