محمد السادس: «المغرب يعلن للعالم أنه لا رجعة في مغربية الصحراء ولا تفريط في فلسطين طبقا لشعار الصحراء مغربية وفلسطين عربية»
عزيز الحور
لقد سبق أن وقف الملك محمد السادس في بحثه، كما أوضحنا في حلقة سابقة، على القضية الفلسطينية، في معرض بسطه لتصور التعامل معها على ضوء تأسيس الاتحاد العربي- الإفريقي، وهو الآن يعود، في سياق رصده لأسس السياسة الخارجية المغرب، إلى قضية فلسطين باعتبارها ملفا دائم الحضور فوق مكاتب أصحاب القرار بالمغرب.
وعلى اعتبار أن القضية الفلسطينية تشكل نقطة توحد الدول العربية إن لم تكن الرابط الوحيد الذي ما زال ينظم مواقف هذه الدول، فإن طرحها في كتاب الملك بوصفها ملفا خارجيا استراتيجيا، أعقبه تفصيل الملك في ملف آخر لا يقل استراتيجية هو «توحيد الصف العربي»، على حد وصف الملك في كتابه.
هناك إشارة بالغة الأهمية في طرح الملك محمد السادس للقضية الفلسطينية في هذا الجزء من الكتاب، وهي أنه يربطها بقضية استكمال الوحدة الترابية للمغرب، وهي القضية المغربية المركزية، ذلك أن كلتا القضيتين تتعلقان بتصفية تركة استعمارية وتقومان على هدف أساسي هو استرجاع أراض كانت مسلوبة، في حالة المغرب، وما زالت كذلك، في الحالة الفلسطينية.
نفهم هذه الإشارة من هذا الموقف الذي يعبر عنه الملك بما يلي: «لا يقل موقف المغرب من القضية الفلسطينية وتحرير القدس أهمية عن موقفه من استكمال الوحدة الترابية، حيث يعلن للعالم أنه لا رجعة في مغربية الصحراء ولا تفريط في فلسطين طبقا لشعار «الصحراء مغربية وفلسطين عربية». ومن الطبيعي أن يكون جوهر التعامل الدولي للمغرب منصبا على القضية الفلسطينية، فهو لا يدخر وسعا في جميع اتصالاته الدولية للدفاع عن الشعب الفلسطيني، وتأكيد حقه في تقرير مصيره وإقامة كيانه على ترابه الوطني. كما أنه يسعى من خلال المحافل الدولية لتأكيد هذه الحقوق المشروعة. وما نشاطات المغرب ودوره الفعال في إطار اللجنة السباعية التي أنشأتها جامعة الدول العربية، وفي لجنة القدس التي يترأسها جلالة الملك، إلا دليلا على مدى ما يوليه من اهتمام كبير للقضية الفلسطينية وتحرير القدس».
إثر ذلك يعرض الملك لمحطات من الزمن السابق على تاريخ تحرير البحث، أي سنة 1985، تدخل خلالها المغرب للدفع بالقضية الفلسطينية تجاه حل. يقول الملك: «وخلال مؤتمر القمة العربي بالرباط سنة 1974، كان للمغرب فضل كبير بقيادة عاهله للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني. فقد كان المغرب دائما يرى أن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره هو حق ثابت ومقدس لا يملك أحد أن ينتزعه منه، وأن منظمة التحرير هي الطرف الذي اختاره الشعب الفلسطيني كممثل له ومتحدث باسمه، ولذلك أيد المغرب دائما منظمة التحرير الفلسطينية، واتصالاته مع قيادتها الشرعية مستمرة وإيجابية. ولكنه إلى جانب ذلك يرى أنه يتعين تنظيم البيت الفلسطيني ووضع أسس سليمة للتضامن بين مختلف الفصائل الفلسطينية حتى يستعيد الطرف الفلسطيني حيويته وقدرته على العمل وسط ظروف حاسمة بالنسبة للقضية الفلسطينية».
يتابع الملك في هذا الصدد أيضا، معتمدا ومحيلا على تصريحات صحافية أدلى بها الملك الراحل الحسن الثاني لإيضاح نقطة أساسية كانت القضية الفلسطينية تطرح على ضوئها في تلك الفترة، وهي محل القضية من الحرب الباردة وصراع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي الذي وصل حتى إلى محاولة الاستفراد بالقضية الفلسطينية، إذ يذكر الملك محمد السادس في هذا الجزء من البحث: «ويعتبر المغرب أن مقررات فاس تشكل لحسن الحظ النقطة الوحيدة التي ما زالت الدول العربية متفقة حولها، فجميع هذه الدول تردد احترامها الدائم لما تم التوصل إليه في قمة فاس. وانطلاقا من هذه القمة «يمكن إبرام كل الاتفاقات الثنائية أو الثلاثية بأضعف احتمالات وقوع انشقاق في الصفوف العربية»، وعلى العكس من ذلك «فإن كل ما يمكن أن يحدث خارج إطار مقررات فاس لن يحظى بإجماع الدول العربية. ويجب إذن الرجوع دائما إلى روح قمة فاس لضمان الموافقة النسبية للدول العربية على الأقل، إلى جانب ذلك يرى المغرب أنه لا يمكن تصور تسوية نهائية لنزاع الشرق الأوسط بدون الاتحاد السوفياتي، فبدون موافقة وإشراك وحضور الاتحاد السوفياتي لن يكون هناك سلم في الشرق الأوسط، لأن الجغرافيا تتحكم في السياسة. فواشنطن تبعد عن سوريا باثني عشر ألف كيلومتر، في حين لا يفصل سوريا عن موسكو إلا بضع مئات من الكيلومترات. ففي هذه المنطقة لا يمكن تجاهل الاتحاد السوفياتي، فمن يريد تسوية مشكلة الشرق الأوسط بدون الاتحاد السوفياتي كمن يريد تسوية مشكلة نيكاراغوا مع الاتحاد السوفياتي وليس مع الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا ليس من الحكمة، وعلى هذا الأساس فإن المغرب يؤيد بقوة فكرة عقد مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط. فقد كان من بين الدول التي صوتت لفائدة قرار الجمعية العامة الصادر يوم 13 دجنبر 1983 حول عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط تشترك فيه جميع الأطراف المعنية بالنزاع العربي الإسرائيلي بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية».
أصل قضية نيكاراغوا، الدولة اللاتينية، التي استشهد بها الملك يعود إلى سنة 1978، تاريخ نشوء معارضة قوية للحكومة القائمة أفضت إلى حرب أهلية بين «الساندينستيين» ذوي النزوع الماركسي المدعومين من طرف الاتحاد السوفياتي، والذين صعدوا إلى السلطة سنة 1979 بعد معارضة شديدة، وبين متمردين يدعون «الكونترا» رعتهم الولايات المتحدة الأمريكية طيلة الثمانينات، تاريخ كتابة الملك محمد السادس بحثه، وقد ساقه الملك في بحثه على نحو بالغ الذكاء لإثبات فكرته المتأسسة على ارتباط الجغرافيا بالسياسة، وأيضا لإيضاح المستوى الذي بلغه الصراع السوفياتي- الأمريكي إبان الحرب الباردة إلى الحد الذي رهن مصائر دول ومآلات قضايا بما فيها القضية الفسلطينية.
بعد القضية الفلسطينية انتقل الملك إلى أحد مرتكزات السياسة الخارجية في تلك الفترة، وهو «توحيد الصف العربي». في هذا الصدد يقول الملك: «إن تعامل المغرب مع الدول العربية ينطلق من التزام قومي ومن حتمية الروابط المصيرية بين الشعوب العربية باعتباره جزءا من الأمة العربية. وعلى هذا الأساس عملت المملكة المغربية بجد ومثابرة على إزالة التناقضات وتصفية الخلافات العربية التي تعصف بوحدة الصف العربي، ولم تتخل أبدا عن واجباتها والتزاماتها العربية ولو تطلب ذلك استخدام القوات المسلحة الملكية كما حدث في الجولان وسيناء خلال حرب رمضان 1973. ولا شك في أن عقد المؤتمرات العربية باستمرار في المغرب سواء على مستوى الملوك والرؤساء، أو على مستوى الوزراء أو الخبراء، هو تجسيد لاهتمام المغرب بالقضايا العربية، ومسارعته للمساهمة في أي عمل عربي يستهدف لم الشمل، وتوحيد الصف، والحيلولة دون المزيد من الانقسام».
في هذا الإطار يتابع الملك أيضا: «وقد جعل المغرب من أهداف سياسته الخارجية تحقيق وحدة أقطار المغرب العربي كخطوة لتحقيق وحدة الأمة العربية. وما الاتحاد العربي- الإفريقي – كما تقدم- إلا لبنة أساسية لتحقيق هذه الوحدة. وإيمانا من المغرب بتوحيد الصف العربي، فإنه التزم بتأييد سيادة لبنان وحكومته الشرعية التي اتفق عليها إجماع اللبنانيين». وهنا يشير الملك إلى القضية اللبنانية باعتبارها القضية العربية التي كانت تحظى باهتمام طيلة النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي، أي طيلة السنوات الخمس التي سبقت تحرير الملك لبحثه، وهي قضية تمفصلت فيها اعتبارات دولية وإقليمية ومحلية وطبعت لحظة حرجة للغاية في تاريخ لبنان والعالم العربي ككل.