محمد السادس: المغرب أقنع دولا بالتراجع عن قرار الانسحاب من الاتحاد الإفريقي تضامنا معه إثر قبول جمهورية البوليساريو
عزيز الحور
رابع قضية مركزية في الاستراتيجية المغربية في مجال التعامل الدولي، كما يذكر الملك محمد السادس في بحثه، هي ما سماها في تمهيده لهذا الموضوع «معضلة العلاقات مع إفريقيا». ومن المثير للانتباه أن الملك كان، كما سلف أن ذكرنا في هذه الحلقات انطلاقا مما وقفنا عليه من أفكار في البحث، يهتم بالقارة الإفريقية مذ كان وليا للعهد وعمره لا يتجاوز 21 ربيعا. فهل كان ذلك ينم عن رؤية استراتيجية منبثقة من قناعة شخصية تمت ترجمتها مباشرة بعد الانتقال إلى فعل الحكم، أم أن هذا الاهتمام كان فقط اهتماما بحثيا مرتبطا بموضوع بحث الإجازة الذي تشكل إفريقيا مجالا له؟
في الواقع، بقراءة متأنية لما سيأتي، يظهر أن إفريقيا بالنسبة لولي العهد سيدي محمد حينها، لم تكن مجرد معطى عارض في سياق عمل معرفي أكاديمي، بل كانت وعيا سياسيا بما تحمله العبارة من معنى، خصوصا عندما نلمس إلمام الملك بتفاصيل التحديات المطروحة بالقارة، وأيضا تصوره لدور المغرب في إفريقيا من منظور براغماتي إن جاز التعبير، وهو المنظور الذي تشخص في ما بعد، بعد اعتلاء الملك محمد السادس سدة الحكم وتوجهيه دفة الاهتمام الخارجي نحو إفريقيا من مدخل اقتصادي تعاوني. لذلك كان التركيز، في عرض الملك لـ«السياسة المغربية تجاه إفريقيا» كما عنون هذا الركن، على الأفق التعاوني بين المغرب والدول الإفريقية.
يقول الملك في هذا الجزء من البحث: «كانت إفريقيا وستظل على الدوام محورا أساسيا في السياسة الخارجية للمغرب. فهو بموقعه الجغرافي بمثابة البوابة الشمالية للقارة الإفريقية، وأقرب نقطة للاتصال مع أوربا، لا سيما عند إنجاز مشروع الربط القار عبر مضيق جبل طارق، وبما له من علاقات وروابط قديمة وجديدة، أعطى الكثير للقضايا الإفريقية بدءا من المساعدات والدعم المادي لمعارك التحرير الوطني في إفريقيا».
ويردف الملك قائلا أيضا: «لقد كان المغرب يلعب دورا نشيطا ومؤثرا في منظمة الوحدة الإفريقية قبل انسحابه منها. ولكن هذا الانسحاب لا يعني أن المغرب قد ساءت علاقاته مع الدول الإفريقية، فهو كما قال جلالة الملك = يحتفظ بعلاقات ثنائية ممتازة مع جل البلدان الإفريقية. فعلى مستوى العلاقات الثنائية، جعل المغرب من أهداف سياسته الإفريقية، توثيق عرى التفاهم والتعاون مع جل الدول الإفريقية في كافة المجالات. فالحضور المغربي داخل القارة الإفريقية رغم انسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية، يزيد وينمو ويتعدد. ولا يقتصر الأمر على التعاون الاقتصادي والتجاري، وإنما يتعداه إلى المجال الثقافي وتكوين الأطر، فما زال من سياسة المغرب الثابتة تقديم المنح التدريبية والتعليمية للطلبة الأفارقة في مختلف المؤسسات والمعاهد والجامعات المغربية. وفي نطاق معالجة المشاكل الملحة التي تواجه القارة الإفريقية بسبب موجة الجفاف والقحط والتصحر التي تهدد أرواح عشرات الملايين من الأشخاص بسبب المجاعة والعطش، فإن المغرب قدم مساعدات مادية في حدود إمكانياته=».
بعد ذلك سينتقل الملك محمد السادس في بحثه إلى آخر محور فيه، عارضا أسس السياسة الخارجية المغربية على الصعيد العالمي، معتبرا أن أهم القضايا على هذا الصعيد، وفي تلك الفترة بالطبع، انتهاج سياسة عدم الانحياز ومكافحة الاستعمار والميز العنصري، والتعاون في إطار المنظمات الدولية وحل المشكلات الدولية المختلفة.
بخصوص انتهاج سياسة عدم الانحياز يذكر الملك: «ثمة حقيقة ثابتة تتمثل في أن موقف عدم الانحياز كان على الدوام من المقومات الأساسية والأركان الجوهرية لسياسة المغرب الخارجية. ويقوم التزام المغرب بسياسة عدم الانحياز – وهو التزام مبدئي- على إدراك عميق للحقائق الدولية الراهنة، وعلى إيمان بالمبادئ التي تقوم عليها حركة عدم الانحياز التي لعب المغرب دورا بارزا في تأسيسها. واختيار المغرب نائبا للرئيس في مكتب تنسيق حركة عدم الانحياز في شهر أبريل 1985، هو بمثابة اعتراف عملي من جانب هذه الحركة بدور المغرب وعطائه في خدمة أهداف عدم الانحياز والسلام العالمي. ولأن المغرب دولة غير منحازة وملتزمة بمبادئ عدم الانحياز في سلوكها الدولي، فإن سياسته الخارجية استهدفت دائما الاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع كلا المعسكرين تحقيقا للمصلحة الوطنية. فهو تجمعه بدول أوربا الغربية، وخاصة مع فرنسا وإسبانيا والبرتغال، علاقات تاريخية وراسخة، وهناك محاولات متعددة لتوثيق التعاون وتحقيق مزيد من الفهم المتبادل للقضايا ذات الاهتمام المشترك، ويدخل في هذا الإطار طلب المغرب الانضمام إلى عضوية الجماعة الاقتصادية الأوربية، كما أن للمغرب علاقات متعددة الجوانب مع الولايات المتحدة، بل إن التعاون الثنائي بين البلدين ناجح ويشمل مختلف المجالات التي تعود بالفائدة على الجانبين. إلى جانب ذلك للمملكة المغربية مع الدول الشرقية، وخاصة مع الاتحاد السوفياتي والصين الشعبية، علاقات جيدة وصلت إلى مرحلة التعاون وخاصة في المجالات الاقتصادية والصيد البحري، وذلك بما يخدم المصالح المتكاملة للجانبين».
بعد التفصيل في توجه السياسة الخارجية المغربية آنذاك إلى عدم الانحياز إلى المعسكر الشرقي أو الغربي إبان الحرب الباردة، استعرض الملك جملة من القضايا التي اعتبرها أوجه استراتيجية المغرب في تعامله الدولي، عبر التذكير بمحطات تاريخية طبعت علاقة المغرب بقضايا أو منظمات دولية، مثل جامعة الدول العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي، تأسيسا ومشاركة واحتضانا.
وفي هذا السياق، أتى الملك على ذكر معطيات مهمة تخص موقفه حينها من مجريات خارجية وقتها، بينها جانب من كواليس انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية على خلفية قبول هذه المنظمة عضوية الجمهورية الصحراوية المزعومة، ومن ذلك أن المغرب أقنع دولا عبرت عن رغبتها في الانسحاب من هذا الاتحاد تضامنا مع المغرب، بالعذول عن ذلك، إذ يذكر الملك أن المغرب «كان يمارس دورا مسؤولا ومؤثرا في منظمة الوحدة الإفريقية قبل انسحابه منها احتجاجا على خرق المشروعية وعدم الالتزام بالأحكام الخاصة بالعضوية فيها. وقد ظل دائما يعمل على حمايتها من الانقسام والضعف، حتى أنه طلب من الدول المؤيدة له الشقيقة والصديقة عدم الانسحاب منها تضامنا معه، واحتفظ مع ذلك بعلاقات جيدة مع جل الدول الإفريقية».