محمد السادس: «الحركة الصهيونية وإسرائيل خطر أكبر من الاستعمار لأنه يهدد أمن الشعوب العربية وكيانها ووجودها»
عزيز الحور
غالبا ما لا يتم فهم طرقة تفكير ملوك ورؤساء دول وشخصيات ساهمت في صناعة التاريخ إلا عبر ما يكتبون. جزء كبير، مثلا، من شخصية الملك الراحل، الحسن الثاني، تعرفنا عليه عبر مذكراته التي وثق فيها لتاريخ شخص ودولة على نحو يسعف حاليا في استيعاب ما كان يحدث خلال فترة حكمه. على خلاف الحسن الثاني، لم يعمد بعد الملك محمد السادس إلى كتابة مذكرات. ربما لأن الوقت لم يحن بعد، لكن هناك وثيقة ألفها الملك بنفسه تميط اللثام عن طريقة تفكيره وتصوره للأمور، وهو لم يتحمل بعد المسؤولية الغليظة: الملك، كما تظهر، في ثناياها، تفاصيل علاقته بوالده. الوثيقة هي البحث الذي أنجزه ولي العهد حينها، الأمير سيدي محمد، رفقة صديق دراسته ومستشاره محمد رشدي الشرايبي.
«الأخبار» تتوفر على نسخة من بحث الإجازة، وتنشر مضامينه التي يتحدث فيها الملك عن بعض أوجه صلته بوالده الحسن الثاني وتصوره الخاص للعلاقات المغربية داخل المغرب العربي، وفي خضم تشريحه لهذه العلاقات يميط اللثام عن وجهة نظره الخاصة من العقيد الراحل معمر القذافي ومن الجزائر وجبهة البوليساريو.
في هذا الجزء من كتاب محمد السادس سيفصح ولي العهد عن كلام غير مسبوق ولا ملحوق بشأن إسرائيل والحركة الصهيونية والتي اعتبرها خطرا أكبر على الوحدة العربية من الاستعمار.
ورغم أنه من المعلوم موقف الملك محمد السادس، حاليا وقبلا، من الصراع العربي الإسرائيلي ودعمه لتحرير فلسطين ومناهضته عمليات تهويد القدس من موقعه رئيسا للجنة القدس، إلا أنه في مرات قليلة جدا تابعنا مواقفه الشخصية، خارج الإطار المؤسساتي الذي أصبح يحتله، بشأن إسرائيل.
كنا قد توقفنا في الحلقة السابقة عند تفصيل الملك محمد السادس لمنظوره بخصوص وحدة الدول العربية على ضوء روح معاهدة الاتحاد العربي الإفريقي، إذ كان قد اعتبر أنه رغم عوامل توحد كثيرة هي العقيدة والأصل واللغة والتاريخ والجغرافيا، إلا أن الوحدة العربية لم تتعد مرحلة الحلم والسبب، حسب محمد السادس، داخلي مرتبط بنزوع زعماء عرب نحو قومية وطنية ضيقة، وسبب خارجي متصل بالأخطار المحدقة بالدول العربية، والتي يجعل الملك في مقدمتها الاستعمار وإسرائيل.
يقول الملك في هذا الصدد: «أما على الصعيد الخارجي، فإن تحقيق الوحدة العربية تعترضه عدة عقبات وفي مقدمتها مخلفات الاستعمار القديم وظهور الاستعمار الجديد الذي يستعمل وسائل خفية تتمثل في الأحلاف المشروطة وكذلك الغزو الفكري والاستغلال الاقتصادي. لكن الحركة الصهيونية وإسرائيل تمثل خطرا أكبر من الاستعمار، لأنه خطر مباشر يهدد أمن وسلامة الشعوب العربية وكيانها ووجودها. وإلى جانب ذلك فهناك عقبة أخرى تتمثل في الوضع الدولي الراهن القائم على أساس كتلتين كبيرتين في الغرب والشرق بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي. ولمواجهة هذه العقبات ذات الطبيعة الخارجية، فإن الاتحاد العربي الإفريقي جعل من أهم مقاصده درء الأخطار المحدقة بالأمة العربية والعالم الإسلامي».
لقد كان موقف الملك محمد السادس من إسرائيل هنا صريحا جدا، وقد ازداد وضوحا في فقرة ثالثة رصد فيها الملك ما اعتبره هدفا ثالثا للاتحاد العربي الإفريقي المؤسس بين ليبيا والمغرب على المستوى العربي والإسلامي بعد توحيد المغرب العربي وتحقيق الوحدة العربية، وهو «درء الأخطار المحدقة بالأمة العربية والعالم الإسلامي». في هذا الصدد يذكر الملك في بحثه: «لقد سجلت ديباجة معاهدة وجدة إدراك الطرفين للأخطار التي تتعرض لها الأمة العربية والعالم الإسلامي عامة وفلسطين السليبة والقدس الشريف بوجه خاص نتيجة سياسة العنف والعدوان التي ما فتئ الصهاينة ينتهجونها عابثين بحرمات الإسلام ومقدساته، ومنتهكين لحقوق المسلمين والعرب بعد أن أخذتهم العزة بالإثم وأعماهم الكبرياء وتمكن منهم الغرور فساروا لا يأبهون بالمبادئ والمثل العليا التي يقوم عليها المجتمع الدولي ولا يعيرون اهتماما للقرارات الصادرة عن المنظمات والمحافل الدولية على اختلاف مستوياتها».
في تحليله لحظوة القضية الفلسطينية لدى الاتحاد العربي الإفريقي، اعتبر الملك أن ثمة ضرورة لتنسيق وجهات النظر المغربية الليبية بشأن الصراع العربي الإسرائيلي، إذ يقول الملك: «ولا شك في أن تحقيق هذه المقاصد يتطلب قيام تنسيق بين سياسة الدولتين تجاه الصراع العربي الإسرائيلي. فالصهيونية وإسرائيل تمثل خطرا مباشرا يهدد أمن وسلامة الدول العربية خاصة والعالم الإسلامي عامة. كما أنها تمثل نوعا من الاستعمار البغيض الذي يعرف بالاستعمار العنصري الاستيطاني. ولذلك، فإن إسرائيل التي ساعد الاستعمار على وضعها في قلب الوطن العربي هي حليفة للدول الاستعمارية وحامية لمصالحها في الشرق الأوسط وتعمل بشتى الوسائل لوضع العقبات أمام أي نوع من التقارب أو الوحدة بين البلدان العربية، لأن ذلك يؤدي إلى إحكام الحصار عليها ومنعها من التوسع على حساب الدول العربية المجاورة لها».
كان الملك محمد السادس يعي، مذ كان وليا للعهد، أن حل الصراع العربي الإسرائيلي معد ويتطلب المرور عبر أشواط تشارك فيها كل الدول العربية ولا يتم فيها الاستئثار بالقضية من طرف دولة معينة، وقد تبين أن هذا الإشكال هو ما أسقط القضية الفلسطينية في ورطتها التي ما زالت مستمرة إلى الآن. يقول الملك في كتابه: «ويمكن أن تكون المواقف والمبادئ المتفق عليها في إطار المجموعتين العربية والإسلامية منطلقا لتنسيق أكثر فعالية في خدمة القضية الفلسطينية وتحرير القدس الشريف. ومن ذلك الالتزام بتحرير الأراضي العربية المحتلة وعدم التنازل أو التفريط في أي جزء منها أو المساس بالسيادة الوطنية الكاملة عليها، أوالمساس بالسيادة العربية على مدينة القدس الشريف. ويدخل في ذلك أيضا الالتزام باستعادة الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني بما في ذلك حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على ترابه الوطني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني تمثل فيها جميع الفصائل الفلسطينية، ودعمها وتعزيز استقلالها. وطبقا لمقاصد الاتحاد العربي الإفريقي فإن الطرفين لا يمكنهما تأييد انفراد أي طرف من الأطراف العربية أو الإسلامية بأي حل للقضية الفلسطينية بوجه خاص وللصراع العربي الإسرائيلي بوجه عام، ومعارضة أي تسوية لا تضمن تحقيق المبادئ سالفة الذكر. بل إنه يتعين عليهما استخدام جميع إمكانياتهما العسكرية والسياسية والاقتصادية والموارد الطبيعية كوسيلة لدعم الحقوق الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني ومواجهة الدول التي تدعم العدو الإسرائيلي عسكريا واقتصاديا وبشريا، وكذلك الحصول على مزيد من التأييد العالمي على الصعيدين الرسمي والشعبي للقضية الفلسطينية، وتأكيد التزامهما باستخدام جميع إمكاناتهما من أجل تحرير القدس الشريف».
حتى هنا تتضح النبرة الحادة التي تحدث بها الملك محمد السادس عندما كان وليا للعهد عن إسرائيل وصراعها المزمن مع الدول العربية وفلسطين تحديدا، فقد اعتبر إسرائيل عدوا وضعه الاستعمار في قلب الوطن العربي، ودعا إلى مقاطعة الدول التي تدعم ما سماه بالعدو بالسلاح والمال والموارد البشرية، وكل ذلك في إطار صيغة عربية مشتركة عاد ليؤكد عليها في ختام هذه الفقرة، حيث ذكر: «وكل ذلك يدخل في إطار ما أسمته ديباجة المعاهدة المنشئة للاتحاد العربي الإفريقي «بتوحيد الرؤية وحشد العزائم وتكثيف الجهود لرد العدوان وإحقاق الحق وصيانة مصالح العرب والمسلمين والدفاع عن حقهم في الوجود والكرامة».