محمد السادس: «اتحاد المغرب وليبيا استلزم التنسيق في حركة عدم الانحياز وتجنب الدخول في الصراعات الدولية ووقف سباق التسلح»
لقد كان الاتحاد بين المغرب وليبيا خيارا استراتيجيا بالغ الأهمية، لأنه ستتبعه عدة أمور تدخل في نطاق مبدأ التضامن بين طرفي الاتحاد، على عدة واجهات، وبالتالي لم تكن اتفاقية وجدة مجرد وثيقة بروتوكولية عادية، بل كانت بداية لتعاون مغربي ليبي على عدة أصعدة بينها الصعيد الدفاعي.
هذا الإطار هو الذي اهتم به الملك محمد السادس في المبحث الأول من الفصل الثاني من بحثه، والذي اختار فيه معالجة ما سماه «إشكالية التضامن في الاتحاد العربي الإفريقي». وقد اختار الملك محمد السادس طرح مبدأ التضامن في الاتحاد العربي الإفريقي في سياق إشكالي، كما يحمل عنوان المبحث، لكن لا يجب الظن أن الأمر يتعلق بمشكل تضامن مطروح في الاتفاق المغربي الليبي، فالأمر يتعلق فقط بمقاربة علمية أكاديمية تستلزم النظر إلى موضوع بحثي معين وفق نظرة إشكالية في أفق الخروج من هذا الطرح الإشكالية بنتائج بعد المرور بفرضيات.
وعليه، ما الذي يعنيه إقرار تضامن مغربي ليبي بموجب الاتحاد العربي الإفريقي؟ ما الذي يفيد الطرفين في إعلان تضامن بينهما؟ ما مجالات هذا التضامن؟
الأجوبة عن هاته الأسئلة سترد في هذا الجزء من البحث الذي استهله الملك باستهلال منهجي بالقول: «التضامن في إطار الاتحاد العربي الإفريقي يتجلى في عدة مستويات. فهو طبقا للمعاهدة المنشئة لهذا الاتحاد، تضامن سياسي ودفاعي واقتصادي وتقني، كما أنه تضامن يظهر في مستويات أخرى منها ما يرتبط بالعلاقات بين الشرق والغرب، ومنها ما يرتبط بالعلاقات بين الشمال والجنوب أو بين دول الجنوب ذاتها. لذلك، فإن إشكالية التضامن في الاتحاد العربي الإفريقي يمكن بحثها من خلال سؤالين: أولهما ما هي أبعاد التضامن بين الطرفين على المستوى الاتحادي؟ وثانيهما ما هي أبعاده على المستوى الخارجي؟».
ما سيلي هو جواب عن السؤالين، بدءا بالتساؤل الأول الذي حاول تقصي آثار الاتحاد المغربي الليبي على البلدين فقط، وذلك في عدة مجالات بينها المجال السياسي والدفاعي والاقتصادي.
أول المجالات التي سيرصد الملك في بحثه، ما الذي يحدثه الاتحاد العربي الإفريقي من تغيير على مستوى المجالين السياسي والدفاعي. يقول الملك: «يهدف الاتحاد العربي الإفريقي إلى توثيق أواصر المودة الأخوية بين البلدين وإقامة تعاون وثيق بينهما، وصيانة استقلال كل منهما. وهذا ما يستدعي قيام التنسيق والتعاون بين البلدين على الصعيدين السياسي والدفاعي. ولتحقيق ذلك نصت معاهدة وجدة على إنشاء المجلس السياسي ومجلس الدفاع».
بيد أن الملك تابع مستدركا: «غير أنه يلاحظ أن نصوص المعاهدة، كما تقدم، احتفظت للطرفين بكامل سيادتهما وشخصيتهما الدولية. ويترتب على ذلك أن كل واحد منهما يبقى له الحق في نهج سياسته الخارجية المستقلة، ولكنها مع ذلك ألزمت الطرفين بنهج سياسة مشتركة في مختلف المجالات»، يضيف الملك أيضا: «ومؤدى ذلك أن هذه السياسة المشتركة ليست سوى درجة من التنسيق السياسي على صعيد المؤسسات الاتحادية المشتركة وعلى صعيد السياسات الخارجية. والواقع أن هذا التنسيق يتم على عدة مستويات، وعلى المستوى العربي والإسلامي، وعلى المستوى الإفريقي وعلى المستوى العالمي».
يذكر الملك ملفا أساسيا يشكل محور السياسة المشتركة بين ليبيا والمغرب على المستوى العربي الإسلامي كما حدده، وهو ملف فلسطين والقدس الشريف كما قال، موضحا: «تعتبر الأخطار التي تتعرض لها الأمة العربية والعالم الإسلامي وفي مقدمتها فلسطين والقدس الشريف، من أهم القضايا التي يدور حولها هذا التنسيق بين الدولتين «لما تتطلبه من توحيد في الرؤية وشحذ العزائم والجهود لرد العدوان وإحقاق الحق وصيانة مصالح العرب والمسلمين والدفاع عن حقهم في الوجود والكرامة»، كما جاء في ديباجة المعاهدة المنشئة للاتحاد العربي الإفريقي، و«يدخل في هذه القضايا أيضا بناء المغرب العربي وتحقيق وحدة الأمة العربية وتوثيق العلاقات العربية».
وفي مقابل ما يمكن اعتباره حياديا للسياسة المشتركة بين المغرب وليبيا بموجب اتفاقية وجدة للقضايا العربية والإفريقية، أشار الملك محمد السادس إلى مقتضى أساسي يوحد هذه السياسة على الصعيد العالمي وهو الحياد والتوازن، إذ يقول الملك: «أما على الصعيد العالمي فيمكن أن يتم التنسيق بين البلدين على مستوى حركة عدم الانحياز، واتباع سياسة تمليها المصلحة المشتركة للبلدين، ونهج سياسة دولية متوازنة بين الشرق والغرب دون الإضرار بالعلاقات والمصالح التي تربط بين البلدين بدول أخرى، وهذا ما يتطلب الانفتاح السياسي على كل العالم الخارجي، وتجنب الدخول في الصراعات الدولية وأن تكون المصلحة المشتركة للشعبين هي أساس العلاقات مع الدول الأخرى، ويدخل في هذا الإطار أيضا العمل على استتباب الأمن والسلام الدوليين، ووقف سباق التسلح، والمطالبة بإقامة نظام اقتصادي دولي جديد وعادل».
إلى جانب هذا التنسيق المغربي الليبي في المجال السياسي استدعى قيام الاتحاد العربي الإفريقي تنسيقا على الصعيد الدفاعي، وهنا تبرز مفارقة مثيرة للانتباه تظهر نباهة الملك الراحل الحسن الثاني، الذي استطاع أن يغير وجهة فوهات الدبابات الليبية التي كانت مصوبة في اتجاه المغرب، عبر دعم ميليشيات البوليساريو، إلى الاتجاه الذي تصوب نحوه الأسلحة المغربية في حال وقوع عدوان خارجي.
يقول الملك محمد السادس: «أما فيما يتعلق بالجانب الدفاعي فقد نصت المادة الثانية عشرة من معاهدة وجدة على أن «كل اعتداء تستهدف له إحدى الدولتين يعتبر اعتداء على الدولة الأخرى»، فقد كرست هذه المادة حق الدفاع الشرعي الجماعي الذي نصت عليه المادة الحادية والخمسون من ميثاق الأمم المتحدة، فقد نصت هذه المادة على أنه «ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالات لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس – بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمدة من أحكام هذا الميثاق- من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه».