محمد الأبيض : ملف تزوير «الجوازات» والبصري كان يلقب الأجانب بـ«المعيز»
حاوره: يونس جنوحي
كيف جاء انتقالك إلى قنصلية «ليل» بفرنسا؟ هل كان التعيين مكافأة أم تكليفا؟
+في الحقيقة عندما دخلت إلى المغرب من لبنان سنة 1966، كان اسمي مطلوبا للتحقيق في قضية الطالب الفلسطيني. كما أنني خسرت ممتلكاتي التي كانت عبارة عن أثاث شقة كنت أكتريها هناك. وتركتُ خلفي أيضا أختي الممرضة رحمها الله التي قتلها الطلبة الانفصاليون انتقاما مني. وقد كان وزير الخارجية السيد محمد الشرقاوي قد وعدني بتعويضي عندما دخلت إلى المغرب. كما أن الجنرال الدليمي وعدني في رسالة مكتوبة صادرة من ديوانه بحل مشكلتي عندما أدخل إلى المغرب.
لكن في الحقيقة انتظاري طال في قسم التشريفات بمقر وزارة الخارجية في الرباط، إلى أن جاء هذا التعيين في فرنسا. وقد كانت المهمة هناك خالية من المخاطر. إذ كان تعييني هذه المرة في قسم الشؤون الاجتماعية بالقنصلية المغربية.
أي أنك عمليا أصبحت تعمل في قسم الخدمات القنصلية للمهاجرين المغاربة هناك.
+تماما. وقد تعرفت على مهاجرين مغاربة كثر في الحقيقة. واختلطت معهم، واكتريت شقة في حي هادئ، وكسبتُ صداقات مع العمال المغاربة هناك.
لم تكن تُعد التقارير عنهم؟
+كنت أنجز تقارير عن وضعيتهم المادية والاجتماعية وأتابع مشاكلهم، وكنت مسؤولا بالضبط عن تمديد الجوازات.
أفهم من كلامك أن تواصلك مع الجنرال الدليمي قد انتهى في تلك الفترة..
+لم يكن التواصل دائما كما كان عليه الوضع في لبنان، لكنه سوف يتقوى أكثر عندما عُدت من مرحلة فرنسا وعملت في تونس إلى حدود سنة 1969.
قضية تمديد الجوازات للمهاجرين المغاربة في «ليل» الفرنسية لم تكن مهمة سهلة. لقد كانت محفوفة بالمخاطر. إذ كان رائجا وقتها أن جل العمال المغاربة كانوا يفكرون في إحضار أبنائهم وزوجاتهم إلى فرنسا. كل ما كان يتطلبه الأمر في تلك الفترة هو استخراج جواز السفر.
وهذا يعني أن الحصول على الجواز المغربي من لدن السلطات المغربية كان أصعب بكثير من الحصول على «فيزا» الوقت الحالي.. (يضحك). وزارة الداخلية في المغرب كانت تصعب شروط منح جواز السفر للمغاربة. وكان يتعين عليّ في القنصلية استحضار هذه المعطيات كلها عندما أمدد جوازات المهاجرين المغاربة في الخارج، أو أمنح جوازات جديدة بالنسبة لأبنائهم الذين وُلدوا في فرنسا.
وقد وقع لي مشكل كبير بهذا الخصوص. إذ إن أحد المهاجرين، وأذكر أنه كان ينحدر من منطقة «الناظور»، استغل علاقتي الطيبة به بحكم أننا كنا نقطن في العمارة نفسها ونقضي أيام الأحد معا، بل وكنا نصطحب أبناءنا من المدرسة نفسها، طلب مني مرة أن أمنحه جواز السفر لابنه الأكبر.
اعتقدتُ أن الأمر يتعلق بابنه الذي يقطن معه في المنزل، وفعلا منحته الجواز بعدما أحضر كافة الوثائق الضرورية للحصول عليه.
كان معروفا قبل زمن «رقمنة» الجوازات أن بعض حالات «الإخوة» المتقاربين في السن يهاجرون إلى أوربا بنفس الجواز ونادرا ما كان يتم ضبطهم..
+الأمر أخطر من هذا بكثير. إذ إنني كنت أعمل في أحد أيام سنة 1968 في المكتب، فإذا بمواطن مغربي يأتي إلى القنصلية ويسأل عني. وعندما استقبلته أخبرني أنه جاء إليّ من طرف جاري في السكن وأنه يريد استخراج جواز سفر لابنه. وكان هذا المواطن هذه المرة ينحدر من منطقة سوس. طلبت منه الوثائق، وقال لي إن ابنه يوجد في المغرب وليس في فرنسا، وأنه يريد الحصول على الجواز هنا للتمكن من اصطحابه إلى فرنسا في العطلة الصيفية.
أخبرته أن هذا الأمر غير ممكن، فثار في وجهي وطلب مني استرجاع أمواله. وهنا كانت الصدمة، فقد حصل منه جاري على مبلغ كبير على أساس أنني طلبت المال لكي أصدر الجواز. فأخبرته أنني لم أطلب ولم أحصل على أي مال، وهنا اكتشفت أن جاري استغل ثقتي وأن الجواز الذي منحته له استغله لكي يحضر به ابنه من المغرب بعد أن رفضت وزارة الداخلية إصداره في المغرب.
هذا الأمر بالتأكيد سيسبب لك مشاكل مع القنصل.
+نعم وقد جاءت الأوامر من الرباط لكي يتم فصلنا، إذ تم تعيينه في دولة أخرى، وأنا دخلتُ إلى الرباط من جديد. كان هذا سنة 1969 وقضيت فترة قبل بدء «مغامرة» تونس حيث سوف تتقوى علاقتي بالدليمي من جديد.
خلال نهاية الستينيات تعرفت على إدريس البصري أيضا الذي كان مسؤولا عن الاستعلامات في الرباط.
+سي ادريس البصري كنت أنسق معه من قسم التشريفات حيث كنت أنوب عن الاستعلامات العامة المغربية في التواصل مع السفارات الأجنبية. عندما يتعلق الأمر بحالة اختفاء سائح أجنبي في المغرب أو عندما يريد المغرب معلومات عن القادمين الجدد.
كان كل الأجانب الذين ينزلون في مطار الرباط سلا لا يفلتون من رقابة إدريس البصري، إذ يقرأ بنفسه ورقة بيانات معلوماتهم التي يملؤونها في المطار عند وصولهم إلى المغرب.
وعندما يرى إدريس البصري أن أحد الوافدين الجدد في الرباط لم يتوجه إلى الفندق المكتوب في الورقة، يتصل بي مباشرة لكي أتواصل مع سفارة بلاده، وكان يقول لي في الطرف الآخر من سماعة التلفون: «الأبيض.. تجلات لي واحد المعزة اليوم». وكان يقصد بها الأجانب.