محمد الأبيض : الجنرال الدليمي كان يلتقي معارضين مغاربة في روما منذ 1972
حاوره: يونس جنوحي
سبق لك لقاء محمد العشعاشي رئيس “الكاب 1″؟
+كنت أعرف أخاه عبد الحق العشعاشي جيدا. كان رجلا أنيقا ولدي معه ذكريات كثيرة. كنت ألتقيه كلما جئت إلى الرباط وكان يحتفي به.. معرفتي بـ”الكاب 1” تقتصر على بعض الضباط الذين عرفتهم خلال عملي في السفارات، خصوصا سفارة روما وسفارة لبنان. خلال الستينيات والسبعينيات..
قلت لي سابقا إنك بعد مشكلة اختطاف الحسين المانوزي طلبت إعفاءك من العمل لصالح المخابرات. كيف جاء هذا؟
+طلبت من الجنرال الدليمي هذا الأمر لكنه رفض وقال لي إننا نحتاجك هناك. وكان يقصد تونس وإيطاليا. فقد أوكلت إليّ لاحقا مهام كتابة تقارير عن شخصيات ليبية وتونسية، مدنية وعسكرية. كما طُلب مني الحصول على مصادر معلومات من داخل ليبيا، وتابعت هذا الملف من إيطاليا على وجه الخصوص.
هل استمر عملك في الملف الليبي حتى بعد انتقالك إلى إيطاليا؟
+نعم.
انتقلت إلى إيطاليا سنة 1972. احك لنا عن هذا الانتقال؟
+انتقلت في نهاية السنة، وكنت سعيدا بذلك الانتقال فقد كنت أظن أنني سوف أتخلص تدريجيا من العمل لصالح المخابرات. لكن المفاجأة كانت أن الجنرال الدليمي كان يأتي بانتظام إلى روما وكان يتعين عليّ مرافقته لكي يلتقي بشخصيات مهمة جدا، من بينها مدير المخابرات الإيطالية وقتها بالإضافة إلى شخصيات عربية، منها شخصيات جزائرية.
الجنرال الدليمي كان يلتقي جزائريين في عز خلاف المغرب مع الجزائر؟
+نعم. وكان يلتقيهم في فندق معروف في روما، ويجلس معهم لساعات مطولة. وهذه اللقاءات بدأت سنة 1972 تقريبا. بينما المهمة التي أوكلها إليّ، بالإضافة إلى العمل الدبلوماسي، كانت تقتضي متابعة تحركات الجزائريين والليبيين وتحركاتهم المعادية للمغرب في أوربا.
احك لي كيف كنت تلتقي الجنرال الدليمي في روما..
+كان الجنرال يحل بروما، فيتعين عليّ أن أنتقل إلى المطار لكي أكون في استقباله، فهو وقتها كان شخصية أمنية مغربية، وكنت أرافقه من القاعة الشرفية إلى سيارة السفارة ومنها إلى الفندق حيث كان يقيم.
كان يأتي أحيانا فقط يقتني الملابس ومستلزماته الخاصة، وكان ينزل في فندق يبعد عن مركز روما. وخلال تلك الزيارات كان يلتقي عددا من الشخصيات.
وكيف كنت تنسق معه كما تقول في ملف المعارضة المغربية في ليبيا؟
+كانت السلطات الإيطالية تتعاون مع المغرب. وكانت المخابرات الإيطالية تزود المغرب بمعلومات مهمة عن تحركات الانفصاليين في أوربا. كما أنني كنت مُكلفا من طرف الجنرال الدليمي بمراقبة تحركات الجزائريين لأنهم كانوا على اتصال كبير مع السوفيات في إيطاليا.
من بين المهام التي قمت بها كان إعادة ابن سيدة مغربية كان يتزوجها ضابط كبير في أمن العقيد القذافي في تلك الفترة. كنت وقتها قد انتقلت إلى إيطاليا للتو.
كانت العلاقات بين المغرب وليبيا متدهورة للغاية بسبب تمويل العقيد القذافي للانفصاليين في الصحراء. وعندما قُطع التواصل بين العقيد والملك الراحل الحسن الثاني أراد القذافي استفزاز المغرب، فأمر أحد ضباطه، وكان متزوجا من سيدة مغربية، بتطليقها وحرمانها من ابنها الوحيد، ورميها على الحدود الليبية- التونسية. وهذا ما وقع.
من كلفك بهذه المهمة؟
+الملك الحسن الثاني شخصيا كان مهتما بهذا الموضوع وقد تم استدعائي إلى الرباط وأمرني الملك الحسن الثاني رحمه الله بمساعدة تلك السيدة على استعادة ابنها.
بدأت القصة عندما نفّذ الضابط الليبي تعليمات العقيد القذافي. وفعلا طلّق زوجته ووضعها على الحدود التونسية، واضطرت إلى انتظار مرور سيارة ما لتقلها إلى تونس العاصمة، وأول ما قامت به هو اللجوء للسفارة المغربية في تونس. وحكت لهم قصتها وكيف أن الضابط الكبير في جيش القذافي حرمها من ابنها وطردها، ووصل الخبر إلى الرباط وأطلع عليه الملك الحسن الثاني في تقرير مفصل وأمر بإحضار السيدة إلى القصر الملكي بالرباط لمواساتها ومؤازرتها في محنتها ووعدها الملك الراحل رحمه الله بإحضار ابنها إليها. وهكذا اتصلوا بنا في سفارة روما لكي ألتحق بالرباط لتكليفي بتلك المهمة.
لماذا تم تكليفك أنت؟
+لأنني كنت أكثر العناصر اطلاعا على الملف الليبي وكانت لدي مصادر في ليبيا كما أن عملي في إيطاليا سوف يُسهل العملية نوعا ما.
مباشرة بعد تكليفي بالموضوع، أخذت السيدة معي وطرحت عليها أسئلة كثيرة بخصوص زوجها الذي كان من بين المقربين من القذافي.
اكتشفتُ من خلال كلامها أن زوجها يحبها وأنه طردها مُكرها حفاظا على حياتها لأنه لو خالف أوامر العقيد ربما يعرض الأسرة كلها للتصفية الجسدية.
السيدة قالت لي إن زوجها حاول الوصول إليها هاتفيا للاطمئنان عليها، وهنا خطر لي أن نقوم باستدراجه للحصول على الابن منه.
كانت تلك رغبة الزوجة؟
+نعم وطلبت الأمر من الملك الحسن الثاني ووعدها بإعادة ابنها إليها. كانت تريد استعادة ابنها فقط. قلت لها إن أول خطوة هي البقاء على اتصال مع الزوج لأن مخابرات القذافي لا بد وأنها تراقبه. وعدتُ إلى إيطاليا للتخطيط لتنفيذ عملية إعادة الابن من ليبيا إلى حضن والدته.