شوف تشوف

سري للغاية

محمد الأبيض : اختطاف المانوزي كان ارتجاليا وهذه تفاصيل زيارة أوفقير لبورقيبة

حاوره: يونس جنوحي

توقفنا عند نقطة حصول الفرقة الخاصة التابعة للجنرال الدليمي على مكافأة بعد اختطاف الحسين المانوزي. قلت إن رئيس الفرقة حصل على مكافأة باسمك. وضح لي هذا الأمر..
+عندما اجتزت الحدود بالسيارة الدبلوماسية التابعة لسفارتنا في تونس، شعر الخاطفون بالارتياح. بينما كان هاجسي الأكبر هو الاطمئنان على الحسين المانوزي. كان لدي شبه يقين بأن الجنرال الدليمي لن يسمح بتصفيته، وربما هذا ما يفسر بقاءه محتجزا ما بين أكتوبر 1972 و1975 سنة محاولته الهروب. كما قلت لم تكن هناك نية لتصفيته جسديا وإلا لقتله الخاطفون في تونس أصلا.

ألم تتحدث مع الجنرال الدليمي في الموضوع؟
+عندما وصلنا أمرني قائد الفرقة الخاصة بتسليم السيارة لأنه بالنسبة إليه مهمتي انتهت بعد أن استغلني في عملية العبور. حاولت أن أضع حدا للأمر لأنه هددني بالسلاح في تونس وأجبرني على مرافقته. وعندما بلغ إلى علمي أنه وضع اسمي في لائحة الحاصلين على المكافأة لكي يصرفها لنفسه بطبيعة الحال، لم أتفاجأ في الحقيقة.

هل تريد إضافة نقطة ما في قضية الحسين المانوزي؟
+رحمه الله. كلما تذكرت قصته تأسفت كثيرا لما حصل له.

هل لديك معلومات بهذا الخصوص؟
+لم أعرف نهائيا ما وقع له بعد نزولي من تلك السيارة، ولم يسمح لي رئيس الفرقة بمرافقتهم في المغرب. وعندما وصلني خبر محاولته الهروب من المعتقل كنتُ أعمل في السفارة المغربية في إيطاليا وبالتالي لم تكن لدي معلومات وافية عن الموضوع.
في تقديري، كان هناك أناس في المخابرات يتسابقون لنيل رضا الرؤساء ويجتهدون من تلقاء أنفسهم، ولا يمانعون في الارتجال وارتكاب مخالفات لكي يُظهروا ولاءهم. والحسين المانوزي لم يكن شخصا مجرما أو خطيرا. لقد كان رجلا طيبا ومحبا للحياة.

طيب، بالمناسبة، أشرت في حلقات سابقة إلى أن الجنرال أوفقير زار تونس عندما كنتَ أنت في السفارة ما بين 1969 و1972. احك لنا عن هذه الواقعة وفي أي سياق جاءت بالضبط؟
+الجنرال أوفقير زار الجمهورية التونسية لكي يلتقي الرئيس السابق الحبيب بورقيبة. كنت في مكتبي عندما وصلت رسالة إلى السفارة مفادها أنه يتعين عليّ استقبال الجنرال أوفقير في المطار ومرافقته إلى الفندق، والتنسيق مع السلطات التونسية لاستقباله استقبالا لائقا في انتظار إقامة عشاء على شرفه يترأسه الحبيب بورقيبة. كان هذا في بداية السبعينيات.
بطبيعة الحال كنا نسمع أمورا كثيرة عن الجنرال أوفقير وصرامته وغموضه، ولا أخفيك أنني توترت قليلا. عندما وصل إلى المطار كان معه مرافقون عسكريون في أمنه الخاص، وكانوا يتوزعون على الطابق الذي نزل فيه الجنرال أوفقير، وقلت في نفسي إنه لن يحتاجني ما دام لديه مرافقوه وهممت بمغادرة الفندق لأفاجأ بأنه يطلب مني الدخول عنده إلى غرفته.

ماذا أخبرك؟
+طلب مني البقاء في الفندق حتى أكون قريبا عندما يحتاجني. وقال لي حرفيا: «أنا لا أثق في هؤلاء». قالها بالفرنسية.

يقصد مرافقيه؟
+نعم. رغم أنهم عسكريون إلا أنه عبر عن عدم ثقته بهم. سألني عن أحوالي وظروف اشتغالي في السفارة. قال لي: «واش كيتهلاو فيكم هاد الناس؟». يقصد وزارة الخارجية المغربية.

ماذا كان جوابك؟
+قلت له: «شوية». وأعجبه جوابي. والحقيقة أنني في تونس كنت أعيش وضعا ماديا مُريحا جدا. بالإضافة إلى عملي في السفارة كانت زوجتي الإيطالية الراحلة قد افتتحت صالونا للتجميل. أرادت العمل والاستثمار في تونس، فأنشأت صالونا ترتاده سيدات المجتمع التونسي، بمن فيهن زوجات الوزراء وكبار السياسيين ورجال الأعمال التونسيين. لكن أهم زبونة لديها كانت هي زوجة الحبيب بورقيبة. كان الصالون يفتح طيلة أيام الأسبوع باستثناء يوم الاثنين، حيث إن هذا اليوم بالضبط يخصص لزوجة بورقيبة لوحدها. كانت سيارة من الرئاسة تتوقف أمام منزلنا صباح كل يوم اثنين لكي تنقل زوجتي والمشتغلات في الصالون معها حتى يعملن رهن إشارة زوجة رئيس الجمهورية. وفي ظرف وجيز استطعنا تحسين وضعيتنا المادية كثيرا.

لنعد إلى قصتك مع الجنرال أوفقير.. ماذا كان موضوع زيارته للحبيب بورقيبة؟
+لا أعرف بالضبط موضوع الزيارة. ربما نقل إليه رسالة من الملك الراحل الحسن الثاني في ذلك الوقت. أنا لم أحضر في القصر الرئاسي، وبقيت في جناح الجنرال أوفقير في الفندق. هو من أمرني بالبقاء وطلب مني ألا أسمح لأي شخص، حتى مرافقيه الخاصين، بالدخول إلى الجناح الذي أقام فيه.
أحسست بضغط كبير لأننا كنا نسمع حكايات كثيرة عن صرامة الجنرال أوفقير وشخصيته. أحضرت جريدة محلية وحاولت أن أبدد الوقت في قراءتها. وأقول لك إنها كانت الجريدة الوحيدة في حياتي التي قرأتها حرفا حرفا وأعدت قراءتها من جديد (يضحك) كاملة وبتركيز. لم أرد أن يغالبني النوم. عاد الجنرال من العشاء مع الرئيس بورقيبة في ساعة متأخرة جدا من الليل. ولم أشعر إلا وهو يفتح باب الجناح فقفزت من مكاني لتحيته. وفور دخوله هممت بالمغادرة إلا أنه طلب مني البقاء. وقال لي: «سوف تقضي الليلة هناك» و(أشار إلى غرفة صغيرة قرب باب الجناح). وقبل أن يدخل إلى غرفة نومه قال لي: «لا تسمح لأي أحد بإزعاجي. وفي الصباح يمكنك الانصراف».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى