محمد الأبيض : إيطاليا قدمت معلومات سنة 1977 بشأن موظفين يخونون المغرب لصالح الجزائر
حاوره: يونس جنوحي
الآن أخبرنا عن قصة توقيفك من العمل في سفارة المغرب في روما. قلتَ إنها وقعت سنة 1977.
+نعم. في تلك السنة كانت الحرب الاستخباراتية بين المغرب والجزائر من جهة، ومع لبيبا من جهة أخرى على أشدها. وكانت هناك تعليمات للاحتياط في كل السفارات من العملاء الأجانب.
وكما أخبرتك سابقا فقد كان ميلود التونزي موضع ثقة كبيرة لدى الجنرال الدليمي، وقد حذرنا من التعامل مع أشخاص دبلوماسيين أو غيرهم في روما، خصوصا من الشخصيات العربية لاحتمال أن يكونوا مُخبرين لأجهزة عربية تتجسس وقتها على المغرب.
المهم أعلنت في تلك السنة حالة من التأهب والجاهزية في كل مصالح الخارجية وقد تجندت العناصر للمراقبة ومحاولة كشف أي مخبرين مزدوجين.
كما أن الملك الراحل الحسن الثاني شخصيا كان يتابع الموضوع بنفسه، إذ إن الجنرال أحمد الدليمي أخبرنا أكثر من مرة أن التقارير التي يتم إعدادها لهذا الموضوع بالذات يطلع عليها الملك بنفسه ويتابعها عن كثب.
هل تريد أن تقول إن موظفي السفارات كانوا مُراقبين من طرف الجنرال الدليمي؟
+كان يجب مراقبة علاقة الجميع مع الدبلوماسيين العرب، خصوصا الجزائريين والسوفيات والسوريين والليبيين على وجه التحديد.
أنا بحكم عملي سابقا في تونس وليبيا، كانت لدي بعض المصادر وقد تلقيت تحذيرات من وجود مصدر يسرب معلومات عن المغرب إلى الجزائريين.
معلومات من قبيل ماذا؟
+مواعد اجتماعات ولقاءات، وأيضا مواعد مباحثات بين الملك الحسن الثاني أو وزير الخارجية المغربي في تلك الفترة. وأيضا عن التقارير التي كان يتم إعدادها في روما وإرسالها إلى الرباط.
من أكد لك وجود تسريبات؟
+الإيطاليون. لقد كان هناك تعاون بين المغرب وإيطاليا في هذا المجال. وقد أخبرني مصدري في روما أن هناك من يسرب معلومات للجزائريين عن المغرب في عز الخلاف بين المغرب والجزائر بخصوص مسألة الصحراء المغربية والوحدة الترابية للمغرب. وتزامنت هذه المعلومات مع كشف عناصر مغربية في الجزائر، حيث تم اعتقال عنصر مهم وتصفيته وبعثت صورته إلى الجنرال الدليمي لاستفزازه.
حدثنا عن سبب توقفيك؟
+كتبتُ تقريرا عن العنصر المعني. هذا الشخص كانت له علاقات وطيدة مع شخصيات مغربية من السلك الدبلوماسي وكان يستغل منصبه لحماية نفسه لكنه كان يتعامل مع الجزائريين ويتلقى عمولات في بنك في سويسرا. وقد كشفه الإيطاليون، لكن مسألة الحصول على الدليل كانت تحتاج إلى مراقبة.
هل تريد أن تقول إنك كنت تراقبه؟
+نعم.
بأمر من الجنرال الدليمي؟
+لم أخبر أحدا في البداية، وقررت أن أراقب تحركاته سرا إلى أن أحصل على دليل يُدينه.
المهم بدأت أبحث عن طريقة لإثبات المعلومة التي حصلت عليها أو تفنيدها. وفكرت في حيلة مهمة، إذ كنت أشرب قهوتي صباحا مع الشخص المعني، فإذا به يُشير إلى أنه يحتاج إلى خادمة. وقد لاحظ العديد من موظفي السفارة الشرفاء أن هذا الشخص اقتنى سيارة فارهة، لا يمكن شراؤها بالاعتماد على الأجرة الشهرية فقط، وهو ما زاد من تقوية الشكوك حوله.
استغللت نقطة رغبته في الحصول على خادمة للقيام بشؤون منزله فقررت أن أبحث عن شابة مغربية في أوساط المهاجرين المغاربة الذين كنت أعرفهم جيدا بحكم أنني كنت رئيس ودادية العمال والتجار المغاربة ما بين سنتي 1973 و1975. وقد كانوا يعرفونني جيدا في روما، وهذا ما سهّل المأمورية.
كلفت أحدهم بالموضوع وفعلا رشّح لي شابة مبتدئة كانت قد وصلت إلى روما للتو وتريد العمل لإعالة أسرتها الصغيرة.
لكن كيف قبل هذا الشخص بتوظيف الخادمة؟ ألم يكن يتخذ احتياطات؟
+لقد كنت أعرف زوجته كما أن أبناءه كانوا يدرسون مع أبنائي في نفس المدرسة في روما. وبالتالي كان الأمر بطلب منه، واستغللت تلك النقطة للتأكد من الشكوك التي كانت تحوم حوله.
جئت بالخادمة وعرضتها عليه فوافق على توظيفها. وبالمقابل كنت أنا قد شرحت لها أنني أريدها أن تخبرني تحديدا من يتصل به في هاتفه بالمنزل ومن يأتي إليه إلى شقته. فالمعلومات التي لدي تقول إنه كان يلتقي ببعض الجزائريين داخل شقته في ساعات متأخرة جدا من الليل لعدم لفت الانتباه.
إذن بدأت تراقبه وزرعت مُخبرة داخل منزله.
+كانت الشابة ذكية جدا. منحتها المال وبدأت تشتغل في صمت وتراقب. وعندما يزوره أحد ما، كانت تراقب ترقيم سيارة الضيف وتسجلها. وتستغل خروج العائلة وتذهب إلى مخدع هاتفي، لأني طلبت منها ألا تتصل بي نهائيا من هاتف المنزل، ثم تركب رقمي وتخبرني على الفور برقم لوحة السيارة.
وبالتالي تتعرف على هوية الضيوف..
+نعم، والمشكل أن تلك السيارات لم تكن دبلوماسية، لكنها كانت مملوكة لأشخاص جزائريين.
كيف تأكدت من هذا الموضوع؟
+كان لدي مصدر مهم في قسم المعلومات. وفي روما وقتها، التي كانت وكرا حقيقيا للجواسيس وعملاء المخابرات العالمية، كان يكفي فقط أن تدفع المال وسوف تحصل على كل المعلومات التي تريدها.
في كل مرة كنت أقدم له المال، أو علب السجائر الفاخرة ويقدم لي معلومات عن ترقيم اللوحات المعدنية التي تصلني عبر الهاتف من الخادمة. وهنا كانت الصدمة.
ولكي تتأكد من جدية الموضوع، يكفي أن أخبرك أن الملك الحسن الثاني شخصيا تدخل في الموضوع وأقال المعني وحُكم عليه بالإعدام في سنة 1978، لكن بعد معركة طويلة جدا ومجموعة من الدسائس.