شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

محطمو الخرافات

بقلم: خالص جلبي

 

الوهم لا يعني الحقيقة، ولكن الأوهام أقوى من الحقائق، ويتقاتل الناس حولها بأشد من ضواري السفاري. وحسب كهف أفلاطون، فالناس يعيشون في ضباب الأوهام، وهم يعتقدون اعتقادا راسخا أنها الحقيقة التي لاريب فيها، ومنه قال القرآن في ثلاث فقرات عن فكرة اليوم الآخر إن العلم قصّر في فهمها، وإن الناس منها في ريب، بل الأحرى أنهم عميان عن إبصارها. تأمل الآية 66 من سورة «النمل»: بل ادّارك علمهم في الآخرة. بل هم في شك منها. بل هم منها عمون.

وحسب فرانسيس بيكون، فهو يرى المضللات الأربع في أوهام السوق والمسرح والقبيلة والعادة؛ أي ضغوطات المال، وملاهي الناس، وتعارف العائلة والقبيلة على أمور لا نقاش فيها، وأخيرا ملكة الاعتياد والعادات الفردية. وحسب الغزالي، في كتابه «المنقذ من الضلال»، فإنه يريد الوصول إلى درك الحقائق، إلى درجة لو أن أحدهم جاء فقلب الحجر ذهبا والعصا ثعبانا، أن يثبت لي أن الثلاثة أكبر من العشرة لما حصل لي أكثر من التعجب، لكن يقيني في أن العشرة أكبر من الثلاثة.

وفي قناة «ديسكفري Discovery» يصدر برنامج عن محطمي الخرافات، والقوم يستعرضون أمورا قد سلم الناس بها، فيضعونها للاختبار، فإما صمدت، وإما انهارت. وفي الامتحان يكرم المرء أو يهان. مثل الجسر الذي انكسر حينما مشى عليه الجنود بمشية عسكرية رتيبة، ومثل علاقة الموبايل مع حوادث السيارات، ومثل حوادث السيارات وأثر الحزام في النجاة من الموت. كما جاء في تقرير الشرطة الأمريكية أنهم لم ينتشلوا قط جثة محزمة بحزام الأمان. وعرضت المجلة المشهورة «GQ» قصة شاب في نيبال، بوذي قلد بوذا فهجع تحت شجرة حتى تأتيه حالة النرفانا، وهي تلك الحالة من الصفاء الروحي والاتصال بالملأ الأعلى، وهجم القوم على الصبي من كل مكان يطلبون البركة من قدميه الشريفتين، وتقول المجلة إنه يعيش بدون طعام ولا شراب منذ أشهر عديدة، ثم ذكرت أن القوم عكروا حالة السلام التي يعيش فيها بالانفراد فهرب من القوم واختفى. وقصص الصالحين في كل أمة واردة، وما جعلناهم بشرا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين.

ومن الناحية البيولوجية قد يصمد البدن بدون طعام أسابيع، فيذوب مثل الشمعة حتى تنتأ عظام صدره كما رأينا في معتقلات البوسنة وسجون العجي البراميلي، ويصمد البدن بدون ماء أياما قليلة، ثم يدخل في حالة هلوسة، ثم تتوقف الكليتان عن العمل، ثم يتسمم البدن بالأدران، ثم يموت، ولكن البشر عندهم من قدرة الخيال بلع المسامير والأفاعي والخرافات، وكان الإنسان أكثر شيء جدلا.

وأرسلت إلي محامية من البحرين نماذج من الخرافات، سوف أقطف قطفة منها من مثل: قصة الفتاة العمانية التي تحولت إلى عنزة مشوهة، لأنها استهترت بقراءة القرآن. والحقيقة: الصورة هي صورة عمل فني لفنانة فرنسية، وقصة الشاب الذي فتحوا قبره بعد 3 ساعات فوجدوه متفحما من أثر عذاب القبر ونشرت صوره، والحقيقة أن الجثة لفتاة احترقت في حادث. أو صورة الجني الذي قام شاب إماراتي بتصويره في كهف، ومات الشاب مباشرة بعد تصويره. والحقيقة أن الجني عبارة عن نحت متقن في أحد الكهوف، وعيونه متصلة بمفتاح كهربائي لإضاءة العينين باللون الأحمر. أو صورة لحديقة بألمانيا وقد كونت جذوع الأشجار على الجانبين شهادة التوحيد، مع الادعاء أن ألمانيا قد أغلقت الحديقة. والحقيقة: الصورة هي لوحة لفنان مصري وقد تم حذف توقيعه من عليها. أو أنه في أحد المستشفيات الأمريكية جهاز رسم القلبECG  لأحد المرضى يرسم كلمة الله، والحقيقة أنه منتدى يهودي هو صاحب الإشاعة ليضحك منا. أو الدعاية عن إسلام مايكل جاكسون. والحقيقة: مايكل جاكسون يعلن احترامه للإسلام، ولكنه ينفي الدخول فيه. وإن الله لغني عن العالمين. أو صورة من وكالة «ناسا» توضح خطا على سطح القمر من أثر انشقاقه للنبي. والحقيقة: أن الصورة ملفقة بـ«الفوتوشوب»، وبالبحث في موقع «ناسا» لم يوجد أي أساس لهذا الخبر وكنت أناقش القوم في ألمانيا، عن ألوهية المسيح بعد أن قرأت الإنجيل جيدا، ولم نكن لنعثر على فقرة واحدة في الأناجيل الأربعة تقول ذلك، وهو يحكي قصة أثر المؤسسات في خلق الأساطير. وعندما نرى احتشاد الملايين للبابا، لترداد خرافة غير موجودة في الأناجيل الأربعة، أن المسيح هو الله الذي خلق السماوات السبع ورب العرش العظيم، تصيبنا الخيبة في العقل الإنساني. وأذكر من مدينة (زيلبSelb ) الألمانية، حيث بدأت رحلة اختصاصي الطبية، والممرضة «أنجيليكا» وهي تقول لي بالألمانية (أيش جلاوبه Ich glaube)، أي أنني أعتقد، إنها ليست مثل (إيش فيسن Ich wissen)، أي أنني أعلم؛ فالاعتقاد لا علاقة له بالعقل. ومشكلة العقائد كما يقول الوردي، إن لا علاقة لها بالعقل؛ فالعقل حسب الوردي ليست مهمته البحث عن الحقيقة، بل هو عضو للبقاء، مثل السيقان للنعامة، والترس للسلحفاة، والناب للأفعى. وهو أمر صعب ابتلاعه، وقصة البابا وملالي قم وشيوخ الأزهر تدلل على هذه الحقيقة. أو هكذا نزعم جميعا أننا أصحاب الحقيقة.

 

نافذة:

مشكلة العقائد كما يقول الوردي إن لا علاقة لها بالعقل فالعقل حسب الوردي ليست مهمته البحث عن الحقيقة بل هو عضو للبقاء مثل السيقان للنعامة والترس للسلحفاة والناب للأفعى

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى