محامي الدولة يحتاج إلى محام
ألقى الجواب البرلماني، الذي قدمته نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، حول طريقة انتقاء المحامين المتعاقدين مع الوكالة القضائية للمملكة، بعض الضوء على أداء المؤسسة التي تلعب دور محامي قضايا الدولة، التي للأسف ما زالت تخسر ملايير السنتيمات من المال العام سنويا، بسبب قلة كفاءة المحامين المتعاقد معهم بالإضافة إلى أخطاء جسيمة وربما متعمدة من طرف المسؤولين بالإدارات العمومية.
وإذا كانت الوكالة القضائية تتدخل في ثلاثة مجالات استراتيجية، تهدف جميعها إلى الحفاظ والدفاع عن المال العام، ويتعلق الأمر أساسا بالدفاع عن الدولة أمام القضاء، والحل الودي للمنازعات، والوقاية من المخاطر القانونية، فإن الإنجازات المحققة في مجالات التدخل تسائل الدولة عن الجدوى من استمرار هذه المؤسسة بنفس الهيكلة والوظائف بعد عقود من الأداء المحدود.
لا أحد ينكر أن النزيف الذي يتعرض له المال العام بسبب قضايا خاسرة، يعود إلى القرارات الإدارية المتهورة والساذجة التي يتخذها المسؤولون عن الإدارات العمومية، سواء كانوا منتخبين أم معينين. والحقيقة الساطعة التي لا يمكن تغطيتها بالغربال هي أن هناك قضايا خسرت فيها الدولة أموالا باهظة، بسبب تواطؤات حدثت بتخطيط مسبق، سواء ما تعلق بخرق مساطر نزع الملكية أو قرارات إدارية كبرى مشوبة بالشطط في استعمال السلطة. لكن هذا لا يبرر استمرار الوكالة القضائية في خسران قضايا أمام المواطن، وهو ما يتسبب في كلفة مالية باهظة تتحملها ميزانية الدولة جراء المنازعات القضائية التي تكون الدولة أو أحد أشخاص القانون العام طرفا فيها، مما يطرح معه سؤال الحكامة الجيدة والتدبير الوقائي والاستراتيجي للمرافق العمومية.
لقد آن الأوان لإعادة النظر في مؤسسة محامي الدولة، فالإمكانيات البشرية المتوفرة لديها والاختصاصات القانونية التي تحوزها وتبعيتها الإدارية لقطاع حكومي وضعف حكامتها في انتقاء المحامين الأكفاء، كلها أسباب تجعل المال العام في مهب الريح. صحيح أن تقارير الوكالة القضائية تسجل انخفاضا في معدل القضايا الخاسرة أمام المواطن، لكن ذلك ليس كافيا ولا بد من خيار البحث عن الوسائل القانونية الجديدة لمعالجة نزيف المال العام والحد من آثارها السلبية ليس فقط على مالية الدولة، بل أيضا على هيبتها وسمعتها وصورتها كحامية للقانون وليست خارقة له، وذلك من خلال إجبار مسؤولي الإدارة على عدم تجاوزهم في استعمال السلطة وخرقهم للقانون، لكن مع توفير محام دولة قادر على استعادة المال العام الذي يحاول بعض المسؤولين فقدانه كرها أو طواعية.