شوف تشوف

الرأيالرئيسية

محاكمة تعيد الحياة لترامب

مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، عدو ترامب اللدود الذي نشر كتابا هدفه الوحيد فضح رئيسه السابق، غير سعيد بخبر محاكمة ترامب. هل غير موقفه منه؟ بالطبع لا، بل إنه يفضل أن يراه خلف القضبان، ولكنه يخشى أن تلعب المحاكمة دورا عكسيا وتصب في مصلحة الرئيس السابق وتزيد من شعبيته، وتعيده منتصرا إلى البيت الأبيض.

ليس بولتون وحده من يتخذ هذا الموقف، ولكن حتى خصومه الديمقراطيين يرون أن ترامب سيوظف المحاكمة لتجييش مناصريه، وبالتالي استعادة الزخم الهائل الذي جعل منه رئيسا في عام 2017. حتى منافسيه حاليا من الجمهوريين، مثل نائبه مايك بنس وحاكم فلوريدا ديسانتيس، اتخذوا موقفا دفاعيا واعتبروا أن المحاكمة مسيسة وتسليح للقانون بدافع الانتقام للقضاء على ترامب ومنعه من الترشح. بالتأكيد أنهم يتمنون أن يختفي ترامب من المشهد، ولكنهم يدركون أن الوقوف ضده في هذه القضية لن يكون في صالحهم، وسيقلب قطاعا واسعا من الجمهوريين ضدهم.

أما بالنسبة إلى ترامب فربما ستكون هذه المحاكمة هي قبلة الحياة. قبلة لم تكن متوقعة وأتت ربما في الوقت المناسب، قبل ما يقارب عاما ونصف العام على الانتخابات الرئاسية. أما لماذا قبلة الحياة؟ فلأن شعبية ترامب تضررت عقب أحداث اقتحام الكابيتول، فقد ظهر كرئيس مارق لم تردعه التقاليد العريقة للرئاسة عن تحريض الرعاع، وأعقب ذلك الادعاء أن هناك تزويرا في الانتخابات وأخاف هذا قطاعا واسعا عَدُّوهُ تهديدا لنظامهم السياسي وأُسس الدولة.

حاول أن يستخدم هذه الأحداث لتبرير أنه مظلوم ومضطهد وأن الانتخابات سُرقت منه، ولكن لم يصدقها إلا جمهوره المهووس الذي يراه المسيح المخلص، ولكن في الواقع ظهر بصورة الرجل المضطرب الذي يمكن أن يفعل أي شيء حتى لا يوصم بالخاسر. تشبث بهذه الحجج، ولكنها قادته مرة أخرى إلى خسارة غالبية الشخصيات التي دعمها في الانتخابات النصفية. لكن كانت تلك الانتخابات استفتاء على شعبيته المتآكلة وعلى تهافت استراتيجيته الانتخابية.

من الواضح أن جمهوره أصيب بالإرهاق، وحدث انقسام في قاعدة مناصريه، مع ظهور أسماء لامعة أبرزها حاكم فلوريدا الحاكم الناجح والكاريزمي، الذي يراه كثير من الجمهوريين مستقبل الحزب الذي قام ترامب بتمزيقه. هكذا كان الحال، ترامب 2023 نسخة باهتة ومنهكة من ترامب 2015، حتى ظهرت من الرماد قصة الممثلة الإباحية، ستورمي دانيالز، ومنحته الفضيحة والقبلة التي كان ينتظرها. وقد استغلها كما هو متوقع منذ البداية في حملته؛ حيث أعلن بذكاء أنه سيتعرض للاعتقال ليتحول بعد ذلك إلى العنوان الأول في الأخبار. وترامب الذي يعرف كيف يتعامل مع التلفزيون أكثر من غيره من الزعماء، ومحترف في أن يكون محور الاهتمام وفي قلب الأضواء، سيحول المحاكمة اليوم بكل تفاصيلها إلى وقود لاستعادة توهجه. مثل هذه المحاكمات تخيف القادة والساسة ويتجنبون الفضائح، ولكنها اللعبة المفضلة لترامب الذي لن يمانع أن يظهر بصورة ترامب «المجرم» المقيد بالأصفاد، إذا كانت مفيدة لصورة ترامب «الرئيس» المنتصر. ولهذا من المنتظر أن يحول المحاكمة إلى مسرحية طويلة تبدأ اليوم، ولا تنتهي إلا مع إعلان اسم الرئيس القادم.

النقطة الأخرى المفيدة لترامب هذه المرة، عكس المرات السابقة، هي أن حججه السابقة بالمظلومية غير متماسكة وسقطت سريعا، ولكن هذه المرة مختلفة. حجة الاضطهاد والملاحقة السياسية قوية ومقنعة للكثيرين.

ممدوح المهيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى