محاكمة براع رسمي
في الوقت الذي كان رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، ينظم قوافي الثناء في حق وزير العدل المصطفى الرميد، ويبشر الحاضرين بملتمس تمديد ولايته الوزارية، تحقيقا لـ»الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة»، الذي لا يكتمل إلا بوضع الرجل المناسب في الجبهة المناسبة، في هذا الوقت كانت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء تشهد محاكمة حارس مرمى سابق للوداد والرجاء البيضاويين، في جلسة لم تخل من الشغب، حتى كادت القاعة رقم 7 أن تتحول إلى جزء مقتطع من فضاء جمع عام أو ملعب كرة، بل إن الجلسة توقفت مرتين من طرف حكم الوسط، رئيس الجلسة، وتم اقتياد شقيق المتهم إلى مخفر الشرطة دون محضر إدانة، وسط صخب لا نراه إلا في المباريات الحارقة لكرة القدم المغربية.
ككل المباريات التي يتغيب عنها طاقم التحكيم، تم استبدال محاميين بزميلين لهما في إطار المساعدة القضائية، ولأننا نعيش أسبوع التضامن ونكرس شعاره «لنتحد ضد الحاجة»، فمن الصعب العثور على محام يساندك ويؤازرك حين يكون خصمك عنصرا أساسيا في هيئة المحامين، إذ إن نصرة الأخ ظالما أو مظلوما تعد من مقومات الزمالة المهنية. لذا ابتلعت قاعة المحكمة المحاميين وأغلقا هاتفيهما وحرضا صاحبة الصوت الرخيم للعلبة الصوتية للرد على مكالمات الموكلين.
يقول الرميد إن محاكمنا توفر شروط المحاكمة العادلة، وجاء الرد من الغرفة السابعة حين صاح المتهم الرئيسي «اللهم إن هذا منكر»، وحين اقتيد شقيقه إلى مخفر الشرطة دون أن يعرف سر الاحتجاز الذي دام ست ساعات، وحين انتهت الجلسة بتأجيل المؤجل تلقى رئيس المخفر مكالمة تدعوه إلى الإفراج عن الرهينة.
في اليوم نفسه كانت أروقة محكمة آسفي تؤرخ لاحتجاج والد الشاب عبد الرحمن المكراوي، المتابع في قضية الزفت المغشوش، الذي استغرب لمتابعة ابنه وإلزامه بتنازل مكتوب من رئيس الجماعة في الوقت الذي يفترض فيه أن يكون الرئيس أمام قضاة المجلس الجهوي للحسابات، لكن في ظل عدالة معكوسة تحول الفتى الذي فضح الفساد إلى مدان بتهمة «فضح أملاك الدولة والاعتداء على مشروع في طور النشأة». تأجلت المحاكمة إلى التاسع من مارس وشكر والد المتهم الفايسبوكيين الذين لولا مرافعاتهم المستميتة لكان عبد الرحمن في عداد المسجونين.
يخشى أهالي جمعة سحيم من انتقاد مشاريع الجماعة، بعد أن اكتشفوا قدسية الطريق، وقبل أن يخلد أطفال المدينة للنوم يوصيهم آباؤهم خيرا بمشاريع الخير والنماء التي تنجزها الجماعة، وينبهون فلذات أكبادهم من مغبة الإساءة للطرقات والحجرات والصنابير وكل منجزات المجلس الجماعي المقدسة.
وفي اليوم الموالي لخطبة بنكيران ومعلقته التي يقول مطلعها «لا عدل إلا مع وزيرنا»، كانت المحكمة الابتدائية لمراكش تعرف مواجهة بين لاعب سابق للرجاء يدعى عبد الله الجلايدي ومدرب مولودية مراكش محمد تكيدة، بعد أن لكم اللاعب مدربه فقط لأن هذا الأخير لم يشركه في مباراة ضد اتحاد أزيلال للضرورة التقنية.
انتقل الشغب إلى المحكمة وتبين أن كثيرا من اللاعبين المحترفين يفتقدون الاحترافية حين يرتدون قمصان الكرة، لذا طالب أحد المحامين بتخصيص قاعات خاصة للمحاكمات ذات البعد الرياضي على غرار القاعات المخصصة لقضايا الصحافة في كثير من محاكم المملكة.
في ملف مولودية مراكش، كلام خادش للحياء، بين لاعب ومدرب، بين الجلايدي الذي قرر أن يجلد مدربه، ويسدد في وجه تكيدة لكمات تؤرخها شهادة طبية، تشهد على استمرار الشغب في ملاعب الكرة وفي مستودعاتها أيضا، في الوقت الذي ينادي فيه المجتمع المدني المراكشي بممارسة نظيفة، بل إن المحاكمة تزامنت مع تدشين مراحيض عمومية ثلاثية الأبعاد، «دار لوضو» بحضور البطل العالمي بدر هاري.
في هذه المحاكمات تعرضت منظومة العدالة لاختلالات، وأصيب ميزان العدل بالتواء في المفاصل، وأصبح المتقاضون يقرؤون الحصن الحصين والورد المتين، خوفا من مرارة القرار في يوم سحبت فيه شركات الشوكلاطة منتوجاتها من المحلات التجارية.
يا لسخرية القدر.