محاكمة المرضى
لا يختلف تأجيل محاكمة المتهمين بإثارة الشغب، عقب مباراة الرجاء البيضاوي وشباب الريف الحسيمي، عن تأجيل مباريات البطولة. يقف المتهمون الراشدون والقاصرون أمام القاضي، ويظل أهاليهم خارج القاعة بسبب ضيقها، فيدور حوار قانوني بين رئيس الجلسة والمحامين، ليعلن عن تأجيل المؤجل ويعود المعتقلون إلى زنزاناتهم نادمين، ويهرع رجال الأمن لتفريق أفراد عائلات المعتقلين الذين حولوا محكمة عين السبع إلى حائط مبكى.
قدم محامي أحد المعتقلين وثيقة تؤكد ارتباط وكيله بموعد امتحان حاسم في مستقبله الدراسي، لكن القاضي أضافها إلى الملف ولسان حاله يقول «الامتحان أولى بالتأجيل»، فيما ظل دفاع المعتقلين يجمع أشلاء قرائن البراءة دون جدوى.
لم يبحث رجال الأمن عن قاتلي أشرف وعز الدين، بقدر ما بحثوا عن مشاغبين افتراضيين، وضموا إلى ملفاتهم مقاطع من أهازيج يقول مطلعها «عايشين عيشة مهبولة خارجين على قانون الدولة»، واعتبروا هذا المقطع كافيا لإدانتهم بتهمة إثارة الشغب، لأن الاعتراف سيد الأدلة.
الحزن لمقتل مشجعين لا يعني توريط أزيد من 100 مشجع في القضية، لأن الأصل هو البحث عن القاتل ومحاكمته، لا اللجوء إلى محاكمة جنائية بالجملة لمتورطين بالتقسيط، فأغلب الشهادات تؤكد أن الاعتقال تم من المستشفى، أي أن الذين جاؤوا إلى قسم المستعجلات على متن سيارة إسعاف، غادروا المصحة على متن سيارة الأمن نحو مخفر الشرطة، وهناك خضعوا لفترة نقاهة تخللها ترويض للأطراف المعتقلين بغية انتزاع اعترافات تملأ بياض المحاضر.
في محاكمة شغب الإلتراس، فاجأ أحد القاصرين المحكمة حين أقر بانتمائه لفصيل «وينيرز» المساند للوداد البيضاوي، وأن وجوده في قسم المستعجلات كان من قبيل، صدفة خير من ألف ميعاد، مع البوليس طبعا، بل إن والده قدم للمحامي صورا تؤكد وجود الفتى ضمن الفصيل الودادي، حينها بحثوا له عن تهمة جديدة واعتبروه جاسوسا مندسا وسط الرجاويين، وأصبح مهددا بمحاكمة سياسية.
كثير من المعتقلين أثبتوا وجودهم خلال معركة مدرجات مركب محمد الخامس، خارج الملعب، بل إن أحد بائعي سندويتشات في محيط الملعب اقتيد إلى قسم المستعجلات بعد إصابته بحجر طائش، وحين كان يهم بمغادرته وآثار الدماء على بذلته البيضاء قال له ضابط أمن «تفضل معنا إلى المخفر لنستمع لأقوالك وتقدم لنا بيانات حول الجناة»، فشكر الأمن على يقظته. وحين وصل إلى الولاية كان المحضر جاهزا فأصبح البائع مدانا بإثارة الشغب، ورائحة «الطون» تنبعث من ملابسه، أما «الحرور» فهو ما كان ينتظره في سجن عكاشة.
من بين المعتقلين لاعب شاب في صفوف شبان الرجاء البيضاوي، تابع المباراة من المدرجات المغطاة، ودون بهاتفه النقال معركة «الغرين» و»الإيغلز»، ولكن فضوله قاده إلى قسم المستعجلات لصلة الرحم مع ضحية يتقاسمه حب الرجاء، فامتدت إليه يد الاعتقال «العشوائي»، وسيق إلى ولاية الأمن وهو يعتقد أن مجرد الكشف عن هويته كلاعب سيعجل بإخلاء سبيله، لكن الإخلاء كان بصيغة أخرى.
ومن أطرف المواقف التي عرفتها المحاكمة، حضور طبيب متدرب أعلن استعداده لتقديم شهادة حول معتقل، خضع للعلاج قبل انتهاء المباراة، ولكن تأخره في مغادرة قسم المستعجلات، جعل سيول الاعتقال تجرفه، وهو يعاني من مغص في الأمعاء لا علاقة له بشغب الكرة.
رجع المعتقلون إلى معتقلاتهم، وظل أفراد عائلاتهم مرابطين في الحديقة المجاورة للمحكمة، يتقاسمون حكايات البراءة ويروون قصص الاعتقال والمداهمات في سنوات الرصاص، مع فرق بسيط أن أسماء أغلب المدانين مكتوبة بقلم الرصاص، لا سوابق لهم في شغب الملاعب ولا علم لهم بأن قسم المستعجلات لمستشفى ابن رشد تحول إلى ملحقة تابعة لولاية أمن الدار البيضاء، تحت وصاية وزارة الداخلية وليس وزارة الصحة. لكن الدرس الذي استخلصه الجميع هو أن العلاج بعد مباراة كرة محظور، وعيادة المرضى أيام الأحد تجعل الحسنة بمائة جلدة، اسألوا المقبوض عليهم ولا الضالين.