مجلس لحماية المنافسة الشريفة
عين الملك محمد السادس أول أمس إدريس الكراوي الكاتب العام السابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي رئيسا لمجلس المنافسة، الذي يعول عليه لإخراج دركي الشفافية من حالة الخمول والشلل الوظيفي التي يمر منها منذ 2014.
بلاغ الديوان الملكي المقتضب الذي صدر بهذا الشأن، لخص مجمل التحديات التي ينبغي للمجلس القيام بها في سياق تدهور القدرة الشرائية للمواطن التي أخرجته سياسات الحكومة للشارع، لذلك كانت الرسائل الملكية للمسؤولين الجدد للمجلس واضحة ولا تحتمل أي تأويل لضمان الخروج من المتاهات التي يعيشها المجلس وأولها: تطبيق الدستور، فالمجلس بما تخوله له أسمى وثيقة في الدولة يعد أحد الوسائل الأساسية لبناء دولة القانون والشفافية والنزاهة في مجموع الفضاء الاقتصادي للمملكة، وترسيخ الضمانة الكاملة لأي شخص في حق ولوج الأسواق وعرض المنتوجات والخدمات بكل حرية، لكن وظيفة التوازن بين المنتوج أو الخدمة الملائمين سواء على مستوى السعر أو على مستوى الجودة ترجع إلى المجلس الذي له كامل الصلاحية في حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن، خصوصا بالنسبة للفئات الهشة التي عادة ما تكون ضحية السياسات الحكومية وجشع رأسمال.
ثانيا، الحفاظ على استقلالية المؤسسة الدستورية، وهذه ليست مهمة حصرية على المسؤولين الجدد عن مجلس المنافسة، بل هي رسالة ملكية موجهة للفاعلين الحكوميين ولوبيات بعض رجال الأعمال والسياسة وجمعيات المستهلك الذين أساؤوا للمجلس في صيغته الأولى.
من المؤكد أن حماية الاستقلالية اتجاه أي شكل من أشكال التأثير المالي أو السياسي تبقى أهم وظيفة للهيئة الجديدة المفروض فيها أخذ مسافة واحدة لكل المتدخلين وإبعاد الدركي المكلف بضمان شفافية الصفقات عن أي جدل سياسي أو بوليميك إعلامي يسقط الهالة والصورة التي تتمتع بها هاته المؤسسة الدستورية، والتي لن يؤدي إقحامها في الحسابات السياسوية والانتخابية إلا النيل منها وتعطيل اختصاصاتها وجعلها مؤسسة صورية لا تقدم ولا تؤخر.
ثالثا، ضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، وهذا جوهر وظيفة مجلس المنافسة التي تشير إلى حماية القيم الأخلاقية للتنافس اقتصادي وتطبيق معايير الشفافية داخل الحقل الاقتصادي لمنع أشكال الاحتكار والتركيز المالي وتوسيع دائرة الفرص الاستثمارية أمام الجميع والالتزام بحماية المصلحة العامة للبلد وإعطاء الأولوية لها على حساب المصالح الخاصة للوبيات التي سترغب كما فعلت في السابق في تحويل هاته المؤسسة الدستورية إلى ساعي بريد بدون دور وسلطة بدون جدوى.
رابعا، تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها، ومحاربة عمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار. فالمجلس بعد دسترته والارتقاء به إلى مؤسسة دستورية، أضحى متمتعا بسلطات تقريرية ومخولا بالإحالة الذاتية والتحري والردع، وعليه أن يتعاطى بالصرامة اللازمة مع القطاعات المعنية بتدخلاته، عبر إجراءات واضحة، فعندما تظهر مؤشرات تفيد بأن قطاعا ما يعرف ممارسات منافية للمنافسة الشريفة، على المجلس أن يعمد إلى التحري والقيام بالتحقيقات اللازمة لاصدار قرارات المنع ولو تطلب الأمر الإحالة على القضاء.
بدون شك إن قيام المجلس بوظائفه كما حددها بلاغ الديوان الملكي وشعور مسؤوليه بكونهم يمثلون سلطة ردعية وقمعية لأي ممارسات منافية للمنافسة كفيل بضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ويبقى السؤال مطروحا هل سنتجاوز هشاشة هاته المؤسسة التي يبقى ضحيتها الأول المستهلك والمنافسة الشريفة؟