شوف تشوف

الرئيسيةسياسية

مجلس المنافسة يفضح جشع الشركات

ساهمت في التضخم برفع الأسعار وزيادة هوامش ربح غير معقولة

محمد اليوبي

أفاد التقرير السنوي لمجلس المنافسة برسم سنة 2023، الذي رفعه رئيس المجلس، أحمد رحو، إلى الملك محمد السادس، بأن التضخم وصل إلى مستويات قياسية خلال السنة الماضية. وكشف التقرير وجود جشع لبعض الشركات الكبرى ساهم في ارتفاع التضخم، حيث تعمدت هذه الشركات الرفع من الأسعار للزيادة في هوامش الربح بطريقة غير معقولة.

وأكد التقرير أن ارتفاع التضخم استمر بوتيرة حادة نسبيا في سنة 2023، مسجلا مستويات عالية مقارنة بفترة ما قبل اندلاع الجائحة أو حتى بداية التعافي ما بعد الجائحة. ووفقا لتقديرات المندوبية السامية للتخطيط، سجل التضخم الإجمالي في سنة 2023 نسبة متوسطة قدرت بـ 6,1 في المائة، مقابل 6,6 في المائة في 2022، وسجل التضخم ذروته في شهر فبراير بنسبة وصلت إلى 10,1 في المائة على أساس سنوي، قبل أن يتباطأ تدريجيا ليصل إلى نسبة 3,4 في المائة في شهر دجنبر.

وأوضح التقرير أنه، في الوقت الذي اقترنت أسباب تضخم 2022 أساسا بالصدمات الخارجية للعرض، من خلال أسعار الواردات التي تسببت في تضخم تكاليف الإنتاج والبيع للمستهلكين النهائيين، ارتبط تضخم 2023 على العكس بسياق مطبوع بتراجع الضغوط التضخمية الخارجية وإن بحدة أقل، وأدى ذلك إلى تأثير عدة محددات على تطوره، سيما في تخفيف الضغوط التضخمية المستمرة التي امتدت حتى الأشهر الأولى من عام 2023.

وأكد التقرير أن أسباب التضخم المستورد تراجعت بشكل ملحوظ على اعتبار أن التضخم لم يتأثر إلا قليلا بالمكونات المتقلبة، خاصة المواد الغذائية والمحروقات، بيد أن تداعيات الصدمات المناخية على العرض الداخلي للمنتجات الغذائية شكلت عاملا حاسما في التذبذب الظرفي لأسعار بعض المنتجات، وفي مقدمتها الخضر والفواكه.

وعلاوة على صدمات العرض الماكرو-اقتصادية، يضيف التقرير، لا يجب إغفال أنواع أخرى من الصدمات الميكرو- اقتصادية، وتنبثق هذه الأخيرة من قدرة الشركات المتمتعة بقوة سوقية على رفع الأسعار لجني مكاسب من التضخم، سيما من خلال الزيادة غير المعقولة في هوامش الربح. وأوضح التقرير أن هذه الظاهرة تعرف في الأدبيات الاقتصادية باسم «الجشع التضخمي»، وينضاف هذا المصطلح إلى ممارسات أخرى على حافة الشرعية والتي أخذت تكتشف في عدة أسواق، على غرار «التضخم الانكماشي» و«تضخم السلع الرخيصة».

وكشف التحليل المفصل لتطور التضخم في 2023 أن هذا الأخير يظل مدفوعا بالمواد الغذائية التي تبقى أسعارها متذبذبة. ووفقا لحسابات المندوبية السامية للتخطيط، يعد ارتفاع التضخم الإجمالي نتيجة لزيادة متوسطة للرقم الاستدلالي للمواد الغذائية بنسبة 12,7 في المائة والمواد غير الغذائية بنسبة 1,7 في المائة. وأشار التقرير إلى أن تضخم المواد الغذائية تجاوز المستويات المسجلة في 2022، والتي بلغ فيها نسبة 10,9 في المائة، وذلك بالرغم من انحسار التضخم الإجمالي والأساسي، وفسر مجلس المنافسة ذلك بأن تضخم هذه المنتوجات ظل في مستويات أعلى من ذروة التضخم الإجمالي في الفترة الممتدة من يونيو 2022 إلى غشت 2023، أي على امتداد أكثر من 12 شهرا، كما بلغت أعلى نقطة لهذا التضخم ذروة التضخم الإجمالي في فبراير 2023.

وتندرج المنتجات المكونة للسلة التي تستهلكها الأسر يوميا ضمن أصناف المواد الغذائية التي شهدت تضخما مستمرا في سنة 2023، وسجلت هذه الأخيرة أعلى المعدلات، سيما الخضر (28,6 في المائة) والفواكه (27,1 في المائة) ومنتجات الألبان والبيض (13,3 في المائة) واللحوم (11,5 في المائة). وبالنسبة لعديد من هذه المنتجات، ارتفعت الأسعار بشكل حاد في الأسواق، خاصة أثمنة بعض أنواع الخضر على غرار الطماطم والبصل، وكذا اللحوم الحمراء والبيض.

وتطرق تقرير مجلس المنافسة إلى التدابير السياسية المتخذة لكبح التضخم، مبرزا أن رهان السياسة الاقتصادية في سنة 2023 ارتكز على تحقيق هدف مزدوج لمواجهة التضخم، وتمثل في التخفيف من حدته عبر خفضه إلى مستويات قابلة للتحكم فيها من جهة، والحيلولة دون إطالة أمد الضغوط التضخمية من جهة ثانية، واستندت هذه السياسة، وفق المصدر ذاته، إلى مجموعة من التدابير التي أشرفت عليها الحكومة والبنك المركزي.

وبخصوص التدابير الحكومية، يضيف التقرير، انصبت المقاربة المعتمدة لتقليص الضغوط التضخمية على تحسين عرض المنتجات، الغذائية على الخصوص، مع ضمان حسن سير أسواقها، وتوخت كذلك تعزيز دينامية الطلب عبر دعم القدرة الشرائية، حيث أبقت الحكومة على المبالغ الموجهة لدعم الاستهلاك، خاصة غاز البوتان والسكر الخام والمكرر، وحصص الدقيق الوطني للقمح اللين.

موازاة مع ذلك، عمدت الحكومة، بدءا من فاتح شتنبر 2023، إلى إقرار نسبة زيادة في الحد الأدنى القانوني للأجر في النشاطات الفلاحية وغير الفلاحية، لتعزيز مداخيل «الأجور المنخفضة»، وطبقا لذلك ارتفع هذا الأجر في الأنشطة الفلاحية من 84,73 درهما في اليوم إلى 88,58 درهما في اليوم، في حين ارتفع هذا الأجر في الأنشطة غير الفلاحية من 15,55 درهما في الساعة إلى 16,29 درهما في الساعة.

إضافة إلى ذلك، كانت مقتضيات قانون المالية لسنة 2022 نصت على وقف استيفاء رسوم الاستيراد المطبقة على الأبقار الأليفة إلى غاية 31 دجنبر 2023، وفي حدود حصة قدرها 200 ألف رأس، كما تضمن قانون المالية لسنة 2023 تدابير جبائية ساعدت على احتواء تضخم عدد من المنتجات الأساسية، وشملت، على سبيل المثال، إعفاء الأعلاف البسيطة الموجهة لتغذية المواشي وحيوانات المزارع من الضريبة على القيمة المضافة، وإعفاء بعض الأدوية والمنتجات الصيدلية من رسم الاستيراد.

وتطبيقا للتعليمات الملكية، وقعت الحكومة، في سنة 2023، على اتفاقية إطار خصص بموجبها غلاف إجمالي قدره 10 ملايير درهم بهدف التخفيف من تداعيات الجفاف والظرفية العالمية على النشاط الفلاحي، وإعادة توازن سلاسل الإنتاج، واستمرت الحكومة في تخصيص دعم استثنائي للمهنيين العاملين في قطاع النقل، خاصة في الفترات من سنة 2023 التي عاودت فيها أسعار المحروقات اتجاهها التصاعدي، بغية التخفيف من الضغوط التضخمية على نقل المسافرين والبضائع، وتعززت هذه التدابير قصيرة المدى بإجراءات أكثر هيكلية استهدفت الحد من استمرار الضغوط التضخمية، على غرار تنزيل الورش الملكي المتعلق بالحماية الاجتماعية، والرامي إلى إعادة ضبط توازن الطلب، وتكوين مخزون احتياطي غايته الحد من تذبذبات أسعار بعض المنتجات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى