مجلس المستشارين الذي نريد
على الرغم من الأحكام المسبقة والتمثلات السلبية التي يحملها الرأي العام تجاه مجلس المستشارين وحالة الإحباط وضعف الثقة الذي يرتبط بوجود غرفة ثانية، إلا أن الانتخابات التي تجري اليوم لانتخاب 120 مستشارا برلمانيا، قد تكون فرصة حقيقية للقيام بتحول سياسي جوهري تجاه هذه المؤسسة التي كان من الممكن أن تلعب أدوارا في ضمان توازن النظام السياسي وآلية إضافية لكي يقوم الشعب بممارسة سلطته وسيادته على الوطن من خلال المؤسسة التشريعية بشقيها مجلس النواب ومجلس المستشارين.
إن طبيعة تركيبة مجلس المستشارين التي تراعي البعد الجغرافي والديموغرافي والمجالي، وكذلك تمثيل المهن والنقابات والباطرونا تجعله في الوضع الطبيعي قيمة مضافة، لكن الممارسات والسوابق التي ارتبطت بهاته المؤسسة جعلتها عبئا على المؤسسات ومصدرا لإنتاج المشاكل وابتلاع الشرعية بدل المساهمة في توسيع رقعتها. فالدستور، على الأقل منذ 1996، عاد لنظام المجلسية الثنائية أولا وأخيراً لخدمة مصالح الشعب وليس لخدمة المصالح الشخصية والمعاشات والامتيازات لأعضاء الغرفة الثانية، وللأسف أن هاته الغرفة ارتبط تاريخها بكل ما هو سيئ ومشين، فقد تحولت إلى مقبرة لدفن النصوص القانونية ووسيلة للبلوكاج المؤسساتي، وفضاء للدفاع المستميت عن كل أشكال الريع السياسي، آخرها فضيحة 12 مليارا التي ما زالت عالقة إلى اليوم.
إن المرحلة القادمة، بتحدياتها التنموية ورهاناتها الجيوستراتيجية، لن تكون قادرة على تحمل أعطاب مجالس المستشارين التي ارتكبت ومورست سابقا وجعلتنا نقف أمام مجالس عاجزة أمام مواجهة التحديات. فليس من مصلحة أحد على الإطلاق أن يكون مجلس المستشارين ضعيفاً وشكلياً، أو أثاثا لخدمة الديكور الديمقراطي وليس أبعد من ذلك، فهو الذي يمثل المهن والنقابات ورجال الأعمال والجماعات، وهو الوسيط بين الدولة وقاعدتها العريضة، وهو الرقيب والمشرع.
لا نريد أن يكون مجلس 2021 نسخة مكررة من المجالس السابقة على مستويات الأداء والرقابة والتشريع والإنصات لمطالب المواطنين. فبعد أكثر من ربع قرن والسنوات العجاف من الأداء الهزيل، وتمرير المشاريع الكاوية للمواطن، والفشل في تشكيل لجان التقصي الهشة، نتطلع إلى أن يكون المجلس الجديد ناطقا خالصا باسم مصالح الشعب، وأداة للمحاسبة، وسلطة للحفاظ على الحقوق والمكتسبات، وليس مجرد غرفة للتسجيل أو قناة لتحقيق المصالح الخاصة أو مصالح الفئات.