محمد اليوبي
أصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية مدونة الأخلاقيات القضائية، التي تتضمن قائمة من المحظورات التي يتعين على القضاة الابتعاد عنها للحفاظ على نزاهتهم واستقلاليتهم، ودخلت هذه المدونة حيّز التنفيذ بنشرها بالجريدة الرسمية.
وأوضح المجلس الأعلى للسلطة القضائية أنه وضع هذه المدونة بهدف توفير إطار مرجعي للقضاة يسمح بالتعريف بأخلاقياتهم، ويشكل في نفس الوقت دليلا للقاضي من أجل دعمه وتوجيهه بشأن ما ينبغي عليه التحلي به من صفات والالتزام به من مبادئ ملازمة لتقلد رسالة القضاء، وما يتعين عليه اجتنابه من ممارسات وسلوكات، وما قد يترتب من جزاء عن أية مخالفات.
وأكدت المدونة على استقلالية القاضي، من خلال ممارسته لمهمته القضائية دون الخضوع لأي ضغط أو تلقي أي أوامر أو تعليمات من أي جهة كانت، ما عدا ضميره المهني والتزامه بالتطبيق العادل للقانون، وقواعد العدالة والإنصاف المتعارف عليها دوليا، والتزام قضاة النيابة العامة بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها، كما تحث المدونة القضاة على ضرورة الالتزام بالحياد والتجرد، من خلال أداء الوظائف القضائية طبقا للوقائع المعروضة ووفقا للقانون، دون أي تحيز أو تحامل أو محاباة تجاه أي طرف من أطراف الدعوى، وعدم اتخاذ أي موقف من شأنه التشكيك في سير إجراءات الدعوى ومصداقيتها، والتحرر من القناعات الإيديولوجية أو الثقافية أو العقائدية أو الفلسفية عند البت فيها.
كما شددت المدونة على مبدأ النزاهة أثناء أداء القاضي لمهامه، وذلك من خلال الابتعاد عن أي سلوك مشين، ورفض كل إغراء مادي أو معنوي يؤثر على عمل القاضي، ويسيء إلى سمعته وإلى السلطة القضائية ككل، وأكدت المدونة أن نزاهة القاضي واجبة بحكم نبل المهام الموكولة إليه، فهي تؤهله للقيام بوظيفته، وتحفظ مشروعية السلطة القضائية، وتقوي الثقة في هذه الأخيرة.
وأكدت المدونة، كذلك، على ضرورة التزام القضاة بواجب التحفظ، حرص القاضي في سلوكه وتعبيره على الاتزان، والرصانة، وعدم إبداء آراء ومواقف من شأنها المساس بثقة المتقاضين في استقلال وحياد القضاء، وذلك مهما كانت وسائل الاتصال ومواقع التواصل المستخدمة، ودون الإخلال بالحق الدستوري للقضاة في التعبير. وحددت المدونة مجموعة من الشروط بخصوص تعامل القضاة مع الصحافة والإعلام بما يليق بمكانة القضاء، من حرص على حياده واستقلاله، وذلك من خلال تجنب القاضي الدخول في سجالات قد تؤثر سلبا على صورته كقاض وعلى هيبة القضاء، مع ضرورة الإشعار المسبق للرئيس المنتدب وكذا لرئيس النيابة العامة بالنسبة لقضاة النيابة العامة، عند إجراء المقابلات الإعلامية والإدلاء بالتصريحات الصحفية، باستثناء القضاة المعينين للتحدث باسم المؤسسات القضائية والقضاة ممثلي الجمعيات المهنية المخول لهم وفق أنظمتها الأساسية التحدث باسمها، عند التطرق إلى أنشطة جمعياتهم ومجالات اشتغالها، واشترطت المدونة عدم تشكيك التصريحات في الأحكام والقرارات والأوامر المتخذة من طرف المحاكم.
وبخصوص وسائل التواصل الاجتماعي، شددت المدونة على ضرورة أن يضع القاضي في اعتباره أن استخدامه لشبكات التواصل الاجتماعي يجب أن يتناسب مع احترامه للالتزامات الأخلاقية الواردة في هذه المدونة، بالإضافة إلى التزام القضاة بدرجة عالية من الحذر عند التعبير عن آرائهم ومواقفهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سواء أفصحوا عن صفتهم القضائية أم لا، وسواء تعلق الأمر بالشأن القضائي أو بحياتهم الخاصة أو بأي شأن آخر، وطلبت المدونة من القضاة الابتعاد عن كل ما هو مسيء لسمعة القضاء، أو يمس باستقلال ونزاهة وحياد القاضي، عند استخدامه وسائل التواصل الاجتماعي، ومراعاة المكانة الاعتبارية للقضاة سواء في الكتابات أو التعليقات أو الردود، ويشمل ذلك مختلف المعطيات الإلكترونية المتداولة كالصور والأشرطة المصورة وغيرها، علاوة على توخي الاحتياط في قبول(«الصداقات» عبر هذه الوسائط، وحرص القاضي عند استعماله لأي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، سواء استعمل اسمه الحقيقي أو اسما مستعارا، أو صورته، أو صورة مرتبطة به، أن يحترم الشرف والوقار والكرامة، وألا يستخدم لغة مشينة أو غير لائقة، أو يرسل صورا من شأنها المس بصورته وبصورة القضاء.
وأشارت المدونة إلى حرص القاضي كذلك في التعليقات والأفكار التي ينشرها على استعمال لغة واضحة، ويستحضر الأخلاق التي يجب أن يتمتع بها، ويبتعد عن العبارات الغامضة والمستفزة والتلميحات التي يهدف منها إرسال إشارات سلبية وغير لائقة، وإضعاف ثقة العموم في المؤسسة القضائية، وأن يمتنع القاضي عن الدخول في مواقف وسجالات علنية عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع أي كان ولاسيما مع مساعدي القضاء بشكل يمس بصورته كقاض، ويخدش صورة وهيبة القضاء،أو يؤثر سلبا على الثقة المتبادلة المفروضة بين القضاة ومساعدي القضاء، وأن يضع القاضي في اعتباره أن عدم الكشف عن هويته الحقيقية عند استعماله لوسائل التواصل الاجتماعي لا يحرره من التزاماته الأخلاقية، إذ عليه التقيد بأسلوب يتلاءم مع هذه الالتزامات.