مجالس ميتة
من المنطقي أن نتساءل لماذا تولد مجالس عليا منصوص عليها في القانون لتقبر في الحين؟ نطرح هذا التساؤل ونحن نستحضر، على سبيل المثال لا الحصر، المجلس الأعلى للوظيفة العمومية الذي يوجد بالعناية المركزة، بعدما أحدث استنادا لقانون الوظيفة العمومية منذ 2001، وأوكلت إليه اختصاصات النظر في جميع مشاريع القوانين الرامية إلى تغيير أو تتميم النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، كما كان يعول عليه للنظر في جميع القضايا ذات الطابع العام المتعلقة بالوظيفة العمومية المعروضة عليه من طرف الحكومة.
الأمر نفسه ينطبق على المجلس الوطني للإسكان، الذي دخل منذ خمس سنوات في سبات عميق، بينما كان بإمكانه أن يكون قيمة مضافة بمثابة إطار تشاوري وقوة اقتراحية تعنى بإبداء الرأي، وبلورة الأفكار والإسهام في تحديد الاستراتيجيات في أفق النهوض بأوضاع قطاع السكن والإنعاش العقاري.
ومن غرائب الأمور أنه في اللحظة التي ترفع فيها الحكومة شعارات كبرى حول إصلاح القوانين المتعلقة بالإدارة والوظيفة العمومية والسكن وسياسة المدينة، فإن مجالس مهمة ترقد في طي النسيان والإهمال.
إن قوة دولة المؤسسات التي نطمح إليها لا تكمن في جانبها الكمي وقدرة الحكومة على إحداث المجالس بدون ضوابط، بل تكمن في تفعيل تلك المجالس وضمان انتظامية أدائها وجعلها ذات جدوى ومساهمة في صناعة السياسات العمومية الناجعة، وهذا للأسف ما نفتقده في الكثير من مؤسساتنا.
أما لماذا وُلدَت العديد من المؤسسات ميتة، فالأسباب كثيرة، منها الموضوعية والذاتية، منها السياسية والإدارية، لكن هذا ليس مبررا لتتحول المؤسسات إلى دكاكين مؤقتة يفتحها الوزراء، ثم تغلق بعد ذهابهم، نحن في دولة تؤمن باستمرارية المرفق العمومي، رغم اختلاف زوايا التدبير، وهذا يستوجب من المسؤولين تفعيل المؤسسات التي لها رهانات كبرى كالمجلس الأعلى للوظيفة العمومية، لأن ما آل إليه هذا من تعطيل واحتقار يكشف عدم جدية الحكومات، ويُفقدها مصداقية سمو أهداف في إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية التي جعلت منها أحصنة سباق للوصول إلى المقاعد الانتخابية.