مجالس السيبة
أضحت العديد من الجماعات الترابية تعيش على ما يمكن تسميته بجماعات السيبة، التي ينتهك فيها القانون خلال كل دورة من الدورات المنصوص عليها في القوانين التنظيمية. فمع كل دورة تتحول الجماعات إلى حلبات قانونية للسب والقذف وكل أشكال خرق القانون أمام ممثليه.
السيبة في عدد كبير من الجماعات ليس لها شكل واحد، رغم أن سببها العام واحد يرتبط بعجز النخبة المحلية التي انتقتها الأحزاب السياسية عن إيجاد حلول لمشاكل الساكنة والمساهمة في تنمية الوطن، فبقدر ابتعاد هذه الفئة عن الصالح العام، بقدر ما تزداد مناطق السيبة وتتوسع الهوة بين المواطن ومنتخبيه، مما يفقد المؤسسات جدواها وهيبتها.
وإذا كان واحد من أوجه السيبة في عمل الكثير من الجماعات الترابية يتجلى في تبادل السب والقذف والاتهامات الثقيلة بالفساد والرشوة والاتجار بالصفقات، فإن الوجه الآخر للسيبة يكمن في أن كل هاته الاتهامات تتم أمام مسمع ومرأى من السلطات العمومية، التي تحمل الصفة الضبطية، دون أن تتحرك لترتب الآثار القانونية التي تستوجب فتح تحقيقات قضائية وإدارية في الموضوع.
والغريب في الأمر أن الجميع يتفرج على أجواء الفوضى التي تسود أشغال مجالس الجماعات الترابية ودخول العديد منها في حالة من التسيب والشلل والاقتتال الداخلي على مصالح شخصية، دون الحديث عن فضائح التدبير العبثي للمال العام بشكل غير مسؤول ومستفز لمشاعر المواطنين، لكن لا أحد يريد أن يتحمل مسؤوليته والنتيجة الحتمية أننا أصبحنا أمام مجالس ممتلئة بالكائنات الانتخابية المستهترة بالقانون وبالمؤسسات.
ومع كل الشعارات البراقة والوعود الوردية، التي رفعتها الأحزاب والمرشحون خلال استحقاقات الثامن من شتنبر للرقي بجهاتنا ومدننا وجماعاتنا، فإننا لا زلنا نعيش إلى حدود اليوم على نفس إيقاع الولايات السابقة وبنفس المنطق التدبيري الذي قاد جماعاتنا إلى الخراب، باستثناء بعض الجماعات التي شهدت بوادر إقلاع حقيقي، وما على المشككين سوى النظر إلى تدبير الجماعات في بنسليمان التي تحولت إلى نموذج حي لمعنى الفشل وتجربة حية تمشي على رجليها إلى الوراء.
وما لم تتدخل سلطات المراقبة بالصرامة المطلوبة والقضاء بالحزم اللازم لمحاسبة هذه الجماعات المعطوبة، فسنكون أمام جماعات لا تملك نخبا ولا برامج تنموية فيما يقتصر هدفها على الصراع سبيلا إلى الكسب غير المشروع وتكريس التطبيع مع اللاقانون ونظام السيبة.