شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسي

مجالس الجهات والجماعات تحت المجهر

هل دقت ساعة الحساب قبل نهاية الولاية

إعداد: محمد اليوبي ـــ النعمان اليعلاوي
بإعلان وزير الداخلية عن تنظيم جميع الاستحقاقات الانتخابية خلال السنة المقبلة، بدأ العد العكسي لنهاية ولاية مجالس الجهات والجماعات الترابية في صيغتها الجديدة، ما يفرض إجراء تقييم لحصيلة هذه المجالس، خاصة أنها أصبحت تتمتع باختصاصات وصلاحيات غير مسبوقة في ظل القوانين التنظيمية الجديدة. ورغم هاته الصلاحيات، فإن تدبير جل الجهات والجماعات يعرف اختلالات كبيرة، حيث توقفت فيه عجلة التنمية داخل العديد من المدن والجماعات، في حين مازالت أغلب المجالس تتخبط في مشاكل التدبير والتسيير، دون الحديث عن تسجيل خروقات مالية وإدارية خطيرة كانت موضوع تقارير سوداء أنجزتها المفتشية العامة للإدارة الترابية وكذلك التقارير التي تنجزها المجالس الجهوية للحسابات.

كشف تقرير لوزارة الداخلية عن الحصيلة الكارثية لتدبير بعض رؤساء الجماعات، من خلال التقارير السوداء التي أنجزتها المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة للوزارة، والتي رصدت خروقات مالية وإدارية خطيرة بعضها يكتسي صبغة جنائية ويستوجب الإحالة على القضاء. وأوضح التقرير أنه رغم الظروف الاستثنائية المرتبطة بحالة الطوارئ المعلنة من طرف السلطات منذ شهر مارس الماضي، قامت المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية، خلال هذه السنة، بإنجاز عدة مهام تفتيش وافتحاص شملت مجالس الجهات والجماعات الترابية، رصدت من خلالها مجموعة من الخروقات المالية والإدارية، فيما قررت المفتشية إحالة الخروقات التي تكتسي طابعا جنائيا على القضاء.

50 مهمة افتحاص
أناطت القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية بالمفتشية العامة للإدارة الترابية مهام تدقيق العمليات المالية والمحاسباتية التي تنجزها سنويا هذه الجماعات الترابية، إضافة إلى المهام المعتادة في مجال الافتحاص والتدقيق. وأكد تقرير لوزارة الداخلية أنه رغم الظروف الاستثنائية التي ميزت سنة 2020، فقد باشرت المفتشية العامة للإدارة الترابية، بمعية المفتشية العامة للمالية، مهام تدقيق العمليات المالية والمحاسباتية المتعلقة بالجهات برسم سنة 2019 باعتماد مقاربة تتوخى في مرحلة أولى دراسة وتحليل البيانات والقوائم المالية والمحاسباتية، ثم الانتقال في مرحلة ثانية إلى مقرات الجهات من أجل استكمال المراقبة الميدانية، كما تم استئناف مهام تدقيق العمليات المالية والمحاسباتية للعمالات والأقاليم برسم السنتين الماليتين 2017 و2018، والتي تم إنجازها كذلك بشكل مشترك مع المفتشية العامة للمالية.
وبلغت حصيلة مهام الافتحاص والتدقيق المنجزة إلى حدود 21 شتنبر 2020 ما مجموعه 50 مهمة، منها 12 مهمة متعلقة بتدقيق العمليات المالية والمحاسباتية المنجزة من طرف جميع مجالس الجهات برسم سنة 2019، و16 مهمة متعلقة بتدقيق العمليات المالية والمحاسباتية المنجزة من طرف مجالس العمالات والأقاليم برسم سنتي 2017 و2018، مستكملة بذلك المهام التي تم إنجازها سنة 2019 بهذا الخصوص على صعيد 59 عمالة وإقليما، لتغطية مجموع هذا الصنف من الجماعات الترابية، بالإضافة إلى 15 مهمة متعلقة بتدقيق العمليات المالية والمحاسباتية المنجزة من طرف الجماعات، ومهمتين تتعلقان بمواكبة ودعم السلطات الإقليمية، و4 مهام تتعلق بافتحاص برامج يساهم البنك الدولي في تمويلها، ثم مهمة تتعلق بافتحاص تدبير شركة للتنمية المحلية.
وتشرف المفتشية العامة للإدارة الترابية حاليا على 12 مهمة تدقيق للعمليات المالية والمحاسباتية المنجزة من طرف الجهات برسم سنة 2019، حيث يتم التركيز على تقييم مدى تنزيل التوصيات الصادرة عقب عمليات الافتحاص السالفة (برسم سنتي 2018-2017)، ومآل البرمجة والتخطيط كما تمت صياغتهما من خلال برامج التنمية الجهوية، إضافة إلى تدقيق مختلف النفقات التي تم القيام بها مع إيلاء عناية خاصة للمشاريع المكتملة. وفي إطار استكمال مهام التدقيق المتعلقة بمجالس العمالات والأقاليم لتغطية شاملة لربوع المملكة، أنجزت المفتشية العامة للإدارة الترابية ما مجموعه 16 مهمة تدقيق للعمليات المالية والمحاسباتية المنجزة من طرفها برسم سنتي 2017 و2018. وركزت اللجن عملها أساسا حول تقييم مدى تنزيل التوصيات الصادرة عقب عملية الافتحاص الخاصة بسنة 2016، والآليات المعتمدة في البرمجة والتخطيط، ثم أداء شساعة المداخيل من حيث ضبط الوعاء الجبائي وتوسيعه، ومدى احترام القوانين الجاري بها العمل بخصوص تدبير النفقات والموارد البشرية .
كما أنجزت المفتشية العامة للإدارة الترابية 15 مهمة بمجموعة من الجماعات تتعلق بالتدقيق في العمليات المالية والمحاسباتية، حيث ركزت اللجن عملها أساسا حول الجوانب التي تتخللها أبرز المخاطر التدبيرية، ويتعلق الأمر بتنمية المداخيل المحلية وتدبير النفقات ومجال الموارد البشرية والممتلكات والمرافق العمومية المحلية وإنجاز المشاريع ومواكبة الجماعات الترابية تحت إشراف السلطات الإقليمية المختصة في إيجاد الحلول الملائمة متى تبين وجود عوائق أو إكراهات تحول دون ذلك. وعملت مختلف لجان المفتشية العامة للإدارة الترابية على بلورة توصيات عملية يتوخى من خلالها دعم ومواكبة مختلف الجماعات التربية في تجويد تدبیرها ومعالجة وتقويم الاختلالات التي يتم الوقوف عليها في مختلف مجالات التدبير الجماعي. وأكد التقرير أنه تم تسجيل تجاوب كبير في بعض الحالات من طرف الجماعات المفتحصة.

إحالة ملفات على القضاء ومجلس الحسابات
أوضح التقرير أنه في إطار مواكبة ولاة الجهات وعمال أقاليم وعمالات المملكة، أنجزت المفتشية العامة للإدارة الترابية 20 مهمة بحث متعلقة بمراقبة أعمال رؤساء المجالس ومقررات مجالس الجماعات الترابية المندرجة في إطار مهام المراقبة الإدارية الموكل للولاة والعمال القيام بها، منها 14 مهمة ترجع إلى سنة 2019 وتم استكمال تدبيرها خلال السنة الجارية. وتتلخص أهم الملاحظات المسجلة من طرف لجن البحث على مستوى التدبير الإداري، في ربط رئيس مجلس الجماعة أو بعض أعضاء المجلس لمصالح خاصة مع الجماعة، وتوقيع مدير المصالح على وثائق ذات صبغة مالية دون التوفر على تفويض، وعدم اتخاذ أي إجراء بخصوص الغياب المتكرر لبعض الأعضاء عن دورات المجلس. أما على مستوى تدبير المداخيل، سجلت لجان البحث إعفاء غير قانوني لملزمين من أداء الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية، وعدم اتخاذ التدابير اللازمة لاستخلاص الرسوم المحلية، وعدم استخلاص واجبات كراء المحلات التجارية والسكنية التابعة للجماعة.
وعلى مستوى تدبير المصاريف، سجلت تقارير المفتشية وجود اختلالات في تدبير الصفقات العمومية، تتجلى في إقصاء متنافسين بدون مبرر، ومنح صفقات أشغال لمقاولات مراجعها التقنية غير كافية، والأداء مقابل أشغال غير مطابقة للشروط المطلوبة، وعدم تطبيق الغرامات في حق المقاولات التي لا تحترم التزاماتها التعاقدية، وظهور عيوب في الأشغال المنجزة والمستلمة، كما سجلت التقارير اختلالات في تدبير سندات الطلب، من خلال إسناد سندات الطلب لشركات بعينها والإشهاد على تنفيذ الخدمة قبل الالتزام بالنفقات وقبل الإنجاز الفعلي لها، وعدم استرداد المبالغ المترتبة عن الفارق المسجل في برنامج الاستثمار غير المنجز من طرف الشركة المفوض لها تدبير قطاع النظافة.
ويعرف تسيير قطاع التعمير مجموعة من الاختلالات تتعلق خصوصا بعدم احترام الضوابط القانونية والتنظيمية المعمول بها في هذا الميدان، ويمكن إجمال أهم الملاحظات المسجلة من طرف لجان التفتيش في منح رخص بناء انفرادية دون عرض ملفاتها على اللجنة الإقليمية للتعمير ودون الأخذ برأي الوكالة الحضرية، وتسليم أذونات تقسيم دون عرض ملفاتها على لجنة التعمير، ومنح شواهد إدارية تفيد بأن بعض عمليات البيع والتقسيم غير خاضعة للقانون رقم 25.90 المتعلق بالتعمير، والحال أن هذه العمليات تستدعي الحصول على إذن بالتجزيء أو التقسيم، والتسلم المؤقت لأشغال التجزئات العقارية رغم رفض لجنة التسلم، وتسليم رخص إصلاح تستغل في إنجاز أشغال بناء، وتسلیم شواهد إدارية للربط بالكهرباء بدل رخص السكن وشواهد المطابقة، وتسلیم شواهد مطابقة من طرف مهندسين معماريين بخصوص بنايات لم تنته بها الأشغال أو تم إنجازها بشكل مخالف للتصاميم المرخصة. كما رصدت المفتشية العامة للداخلية وجود تعثر في إنجاز مشاريع وتجزئات سكنية، وحالة التعثر والجمود التي تعرفها بعض المجالس، وكذلك تسجيل خروقات واختلالات في تدبير ملفات التعمير والبنايات ذات الصبغة التاريخية والمعمارية.
وبخصوص الإجراءات المتخذة، أشار التقرير إلى أن الإجراءات والتدابير تختلف حسب طبيعة الخروقات المرتكبة، فمنها ما يكتسي طابعا تقويميا أو تأديبيا، ومنها ما تتم إحالته على السلطات القضائية المختصة. ولهذا الغرض، يوضح التقرير، بالنسبة للاختلالات التي لا تكتسي طابع الجسامة، والتي ليس لها وقع على مالية الجماعة وعلى الخدمة الموجهة للمواطن، والتي يمكن تجاوزها باتخاذ بعض الإجراءات التقويمية، حرصت لجن التفتيش على اقتراح مجموعة من التوصيات لتصحيح الاختلالات المسجلة وتسوية الوضعية، وكذا لتفادي تكرارها مستقبلا. وبخصوص الحالات التي يتم بشأنها تسجيل خروقات أو تجاوزات في ميدان التأديب المالي والمحاسباتي، فتمت الإحالة على المحاكم المالية المختصة، كما يتم تفعيل مقتضيات المادة 64 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، والتي تنص على عزل رؤساء الجماعات والمنتخبين كلما ثبت ارتكاب أفعال جسيمة مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل أو مخالفة لأخلاقيات المرفق العام أو تمس بمصالح الجماعة، في حين أن الأفعال ذات الصبغة الجنائية تتم إحالتها على السلطات القضائية المختصة. وكشف التقرير عن اتخاذ 22 تدبيرا تقويميا ومباشرة مسطرة العزل في حق 8 رؤساء جماعات، وإحالة 14 ملفا على المجالس الجهوية للحسابات، بعد تسجيل أفعال تشكل قرائن مخالفات مستوردة للمسؤولية في التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، ثم إحالة ثلاثة ملفات تتضمن أفعالا ذات صبغة جنائية على النيابة العامة المختصة.

ضعف التخطيط والبرمجة
رصد المجلس الأعلى للحسابات في تقريره وجود ضعف في التخطيط والبرمجة، وتبين، بخصوص عدة جماعات، أن المخططات الجماعية للتنمية عرفت ضعفا في التخطيط، ولا سيما في البرمجة الزمنية المناسبة لتنفيذها، وفي توفير الموارد المالية اللازمة، حيث لوحظ عدم اعتماد رؤية استراتيجية واضحة أثناء إعداد المخطط الجماعي للتنمية تأخذ بعين الاعتبار إمكانيات الجماعات وحاجياتها، كما تم الوقوف على عدم تمكن الجماعات من تنفيذ جزء مهم من المشاريع المبرمجة في إطار المخططات الجماعية للتنمية، وكذا ضعف وتيرة إنجاز بعض هذه المشاريع، ومن جهة أخرى، في ما يتعلق ببرامج العمل لوحظ أن عدة جماعات لم تعمل على إعدادها، فيما تأخرت جماعات أخرى في ذلك.
وسجل التقرير عدم إعداد الدراسات الضرورية قبل الشروع في إنجاز المشاريع، حيث لوحظ، من خلال افتحاص العديد من ملفات المشاريع، عدم اللجوء إلى إنجاز الدراسات القبلية والتقارير المتعلقة بالمشاريع، وذلك من أجل حصر تكلفتها بالدقة اللازمة وتركيبة تمويلها وطرق تنفيذها، مما يؤدي، في معظم الأحيان، إلى تعثر إنجاز هذه المشاريع وتأخر انطلاقها، هذا، بالإضافة إلى مشاكل على مستوى الاستغلال والتنسيق مع الجهات المعنية بالاستثمار، وعلى سبيل المثال، يرجع تعثر انطلاق هذه المشاريع بالأساس إلى تأخر الجماعة في إنجاز الأعمال الطبوغرافية وتسليم الرخص، ناهيك عن عدم إشراك أطراف أخرى في تمويل المشاريع المعنية.
كما سجل التقرير عدم إبرام اتفاقيات الشراكة بينت المراقبة، على مستوى عدة جماعات، وجود نقص على مستوى المبادرة بإبرام اتفاقيات شراكة من أجل إنجاز المشاريع المبرمجة، حيث لوحظ أن الجماعات المعنية تقوم بإدراج، ضمن المخطط الجماعي للتنمية أو برنامج عمل الجماعة، مشاريع يرتبط إنجازها بمساهمة عدة شركاء، وذلك في غياب اتفاقيات تقيدهم بالإطار الزمني للتنفيذ وتؤطر التزاماتهم المالية، وهو ما يؤدي في معظم الحالات إلى عدم إنجاز تلك المشاريع أو تعثرها، كما أشار إلى عدم تسوية الوضعية القانونية للأراضي المقامة عليها المشاريع تقوم بعض الجماعات بمباشرة عمليات بناء المرافق العمومية دون تسوية الوضعية القانونية للوعاء العقاري المقامة عليه أو المخصصة لإنجازها، الأمر الذي يتسبب في منازعات مع مالكي الأراضي المعنية، وبالتالي قد يؤدي إلى تحميل ميزانية الجماعة عبء جبر الضرر الناجم عن ذلك.
على مستوى تدبير المداخيل الجماعية، سجل المجلس غياب رؤية استراتيجية لتنمية وتدبير الموارد، وأوضح التقرير أن غالبية الجماعات التي تمت مراقبتها، لا تتوفر على رؤية استراتيجية واضحة لتدبير وتنمية مداخيلها، بحيث لا تبذل جهودا فعالة لمعرفة الإمكانات الحقيقية والممكنة من الموارد، وكذا لضبط الوعاء الضريبي وعدد الملزمين المعنيين، كما لا تعمل، في هذا الصدد، على وضع آليات للتنسيق بين مصلحة الجبايات والمصالح الأخرى ذات الصلة (الداخلية والخارجية) من أجل تدبير ناجع لموارد الجماعة، بالإضافة إلى عدم توفير الموارد البشرية الضرورية والقادرة على السهر على عملية تحصيل الجبايات ذات الصلة وتتبعها ومراقبتها، كما رصد تقرير المجلس وجود قصور في عملية ضبط الملزمين والتحقق من إقراراتهم، حيث لا تحرص المصالح الجماعية على ضبط جميع عدد الملزمين المفترضين بخصوص معظم الرسوم والضرائب المستحقة، ولا تقوم كذلك بالتحقق من صحة المعطيات المتوفرة لديها حول الأشخاص والمؤسسات الخاضعة للرسوم المعنية، وكذا ضبط الوعاء الضريبي لضمان استخلاص أشمل للمداخيل المستحقة لفائدتها.

مفتشية الداخلية ترصد اختلالات مالية وإدارية
رصدت التقارير التي تنجزها المفتشية العامة للإدارة الترابية بوزارة الداخلية، العديد من الاختلالات على مستوى الجماعات الترابية، من بينها اختلالات تتعلق بسوء تدبير قطاع المداخيل بالجماعات الترابية، وضعف تدابير المراقبة الداخلية، مما قد يؤثر سلبا على ممارسة شساعة مداخيلها.

سجل اختلالات عديدة في الجماعات المحلية أثرت في عملها، وإضافة إلى تلك الاختلالات، سجلت إعفاءات غير المبررة للملزمين الخاضعين لبعض الرسوم المحلية واستخلاص الجماعات دون سند قانوني لبعض المداخيل، فضلا عن عدم القيام بالإجراءات اللازمة لتحصيل بعض مداخيل الجماعات، كما هو الحال بالنسبة لواجبات الأكرية والرسم على استخراج مواد المقالع والرسم على عمليات تجزئة الأراضي والرسم المفروض على محال بيع المشروبات والرسم على محطات الوقوف والنقل العمومي والرسم المفروض على شغل الملك العمومي لأغراض تجارية أو صناعية أو مهنية ومداخيل النقل بواسطة سيارة الإسعاف ومنتوج استغلال المياه، إضافة إلى تراكم مبالغ «الباقي استخلاصه».

تقاعس في استخلاص رسوم
أبانت تحريات لجن التفتيش عن وجود مجموعة من الاختلالات على مستوى استخلاص الرسوم والواجبات وأجور الخدمات المستحقة لفائدة ميزانية الجماعات القروية والحضرية، من بينها التقاعس عن إصدار أوامر استخلاص العديد من الرسوم المستحقة لفائدة الجماعة، وذلك خلافا لمقتضيات القانون رقم 97-15 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية، والمادة 27 من المرسوم رقم 2.09.441 الصادر في 3 يناير 2010 بسن نظام للمحاسبة العمومية للجماعات المحلية ومجموعاتها. ومن شأن هذا التقاعس أن يؤدي إلى سقوط جزء مهم من هذه الرسوم في التقادم، وعدم تفعيل مسطرة فرض الرسم بصفة تلقائية عند عدم إدلاء الملزمين بإقراراتهم السنوية المتعلقة ببعض الرسوم المحلية أو عند عدم أدائهم لهذه الرسوم، وعدم قيام الجماعة، بمعية المصالح الضريبية المعنية، بإحصاء الوعاء الضريبي الخاص بالرسم المهني ورسم السكن والرسم على الخدمات الجماعية كما تنص على ذلك مقتضيات القانون رقم 06-47 المتعلق بالجبايات المحلية.
وعلى مستوى تدبير المصاريف، أظهرت مهام مراقبة التدبير المالي والإداري بالجماعات الترابية مجموعة من الاختلالات على مستوى تنفيذ النفقات العمومية، كما أبانت كذلك العديد من النواقص طبعت إنجاز المشاريع الجماعية وتسببت في تعثر البعض منها، وتتلخص أهم الملاحظات في إنجاز الجماعات لمشاريع دون الاعتماد على دراسات تقنية مسبقة، وعدم حل مشكل سجلات المحاسبة المتعلق بالجماعات المحلية ومجموعاتها، ولا سيما دفتر تسجيل حقوق الدائنين والدفتر اليومي لأوامر الأداء الصادرة، وعدم احترام الضوابط القانونية بتنفيذ الصفقات العمومية وخرق المساطر المعمول بها وعدم اعتماد المحاسبة المادية بالنسبة لمقتضيات الجماعة، ما يشكل خرقا لمقتضيات المواد من 111 إلى 113 من المرسوم المتعلق بنظام المحاسبة العمومية للجماعات المحلية ومجموعاتها، فضلا عن إهمال مجموعة من الممتلكات المعطلة من أجهزة ومعدات وآليات بالمخزن الجماعي، رغم إمكانية إصلاحها، كما رصد التقرير اختلالات تتعلق بسوء تدبير حظيرة السيارات.

تدخل نواب الرئيس
من أبرز الملاحظات التي سجلتها المفتشية في شأن أعمال رؤساء المجالس ومقررات الجماعات الترابية، تدخل نواب الرئيس في شؤون الجماعة وممارسة مهام تدبيرية بدون التوفر على تفويضات بذلك، وعدم اعتماد نظام المحاسبة المادية في تتبع جميع التوريدات والمقتنيات، بالإضافة إلى توقيع نواب الرئيس على وثائق إدارية دون التوفر على تفويضات في مواضيعها، وعلى مستوى تدبير المداخيل والنفقات، سجلت تقارير المفتشية، عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لإحصاء الملزمين الخاضعين لمختلف الرسوم الجماعية، والتقصير في تطبيق المقتضيات القانونية في حق الممتنعين عن أداء الرسوم.
وأظهرت مهام التفتيش التي شملت جوانب مختلفة من التدبير المالي والإداري بالجماعات الترابية مجموعة من الاختلالات خاصة على مستوى تنفيذ الطلبيات العمومية، كما أبانت كذلك عن العديد من النواقص طبعت إنجاز بعض المشاريع وتسببت في تعثر البعض منها، ويتعلق الأمر بعدم احترام مقتضيات دفتر التحملات بخصوص إنجاز أشغال الصفقات، وأداء مبلغ عن خدمات لم تنجز، وأداء مبالغ متعلقة بسندات طلب دون الإنجاز الكامل للأشغال، واللجوء المتكرر إلى عدد محدود من الموردين، اللجوء إلى تسوية وضعية نفقات باللجوء بسندات الطلب، بالإضافة إلى تسليم أشغال صفقة بالرغم من عدم احترام المواصفات التقنية المنصوص عليها بدفتر الشروط الخاصة.
وأكدت متفشية الداخلية أن تسيير قطاع التعمير يعرف مجموعة من الاختلالات تتعلق خصوصا بعدم احترام الضوابط القانونية، ومنها تسليم رخص بناء فوق بقع ناتجة عن تقسيم وتجزيء غير قانونيين، وتسليم رخص ربط بشبكة الكهرباء في غياب رخص السكن أو التصريح بانتهاء الأشغال وإغلاق الورش، بالإضافة إلى منح شواهد إدارية غير قانونية من أجل بيع قطع أرضية أو تحفيظها، ناتجة عن تجزيء غير قانوني، وقيام بعض نواب الرئيس بمنح رخصة بناء رغم عدم توفرهم علو تفويض في ميدان التعمير، كما لاحظت تقارير المفتشية، تسليم رخص انفرادية دون الأخذ بالرأي الملزم للوكالة الحضرية لبنايات متواجدة في مناطق محرمة البناء وبنايات غير قانونية لا تحترم تصميم التهيئة وتصاميم إعادة الهيكلة، وبنايات لا تحترم كناش تحملات التجزئات المعنية بها.

عقود عرفية ومخالفات قانونية
رصدت المفتشية العامة قيام بعض رؤساء الجماعات بالإشهاد على تصحيح عقود عرفية تهم عقارات ناتجة عن تقسيم غير قانوني، ومنح رخص السكن لبنايات رغم مخالفتها لتصميم التهيئة أو التصاميم الهيكلية أو التصاميم المرخصة، وإدخال تغييرات بطريقة غير قانونية على مشروع مرخص مع الترامي على الملك العام، وتسليم رخص إصلاح لأشغال تستدعي الحصول على رخص بناء.
وتوصلت المفتشية العامة للإدارة الترابية بوزارة الداخلية والمديرية العامة للجماعات المحلية، بتقارير تتضمن خروقات واختلالات في تحصيل الموارد الجبائية بالمجالس الجماعية، وخاصة بالمدن الكبرى التي يترأسها قياديون بحزب العدالة والتنمية، وعلى إثر ذلك فتحت المفتشية تحقيقا حول هذه التقارير، ومراسلة الولاة والعمال من أجل التدخل لتطبيق القانون.
وقامت المديرية العامة للجماعات المحلية بإنجاز دراسات تهم تعبئة القدرات الجبائية لمجموعة من الجماعات الترابية التي أفضت إلى أن هذه الوحدات تتوفر على مادة جبائية كامنة وغير مستغلة يمكن الاستفادة منها بالوسائل المتاحة وبتحسين طرق تدبير الشأن الجبائي المحلي، كما قامت المديرية العامة بإعداد مخطط عمل يهدف إلى مواكبة الجماعات في تنمية مواردها الذاتية من خلال توسيع الوعاء الجبائي، وتصفية الباقي استخلاصه، وتحيين القرار الجبائي، وتأهيل الإدارة الجبائية. ولتفعيل هذا المخطط على أرض الواقع، تم القيام بزيارات ميدانية وعقد جلسات عمل مع جميع المتدخلين في مجال الجبايات المحلية.
وأفاد تقرير لوزارة الداخلية، بأنه في إطار مواكبة الإصلاح الجبائي، قامت المديرية العامة للجماعات المحلية من خلال مديرية المالية المحلية بعدة تدابير من شأنها النهوض بمالية الجماعات الترابية، والعمل على تعبئة جميع الموارد الذاتية المتاحة من جبايات وحقوق وواجبات في إطار التطبيق الأمثل للمقتضيات القانونية المنظمة لتدبير الجبايات المحلية، وتمكين الإدارات الجبائية المحلية من التوفر على موارد بشرية كفأة ووسائل تقنية تمكنها من بلوغ الغاية المنشودة، ومن بين هذه التدابير، حث الجماعات الترابية على اعتماد تنظيم هيكلي جديد للمصالح الجبائية، وتدعيم برنامج التكوين لفائدة الأطر والأعوان العاملين في المصالح الجبائية للجماعات الترابية، وخاصة «شسيعي» المداخيل، والعمل على إيجاد السبل لتحفيز الموظفين والأعوان المكلفين بتدبير الجبايات المحلية، ومواصلة إعداد مشروع اتفاقية بين مصالح وزارة الداخلية ووزارة المالية، ترمي بالأساس إلى وضع إطار مشترك للتعاون بين مصالح الوزارتين قصد تحسين الجبايات المحلية.

فوضى التعمير وتدبير الممتلكات الجماعية
رصدت التقارير التي أنجزتها المجالس الجهوية للحسابات عدة اختلالات على مستوى تدبير الممتلكات والمرافق الجماعية، تتجلى في عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الممتلكات العقارية الجماعية، ولوحظ بشكل عام عدم لجوء العديد من الجماعات الترابية لتصفية الوعاء العقاري الذي يضم المرافق الجماعية وبعض الأملاك الخاصة التابعة لها، كما تبين إدراج بعض الممتلكات الجماعية الخاصة بسجل الملك العام الجماعي، وكذا عدم شمولية محتويات سجل الأملاك العامة الجماعية وقصور في تدبير سجل جرد الممتلكات المنقولة، ذلك أنه، رغم حيازة الجماعات الترابية أو تصرفها في عدة عقارات، فإن المصالح الجماعية المكلفة بتدبير الممتلكات لا تمسك الملفات التقنية والقانونية المتعلقة بجل هاته العقارات، ولم تعمد إلى اتخاذ الإجراءات القانونية لتحديدها وإدراجها في سجلات الممتلكات الجماعية، حتى يتسنى الحفاظ على حقوق الجماعات.
كذلك، ودون مراعاة للمقتضيات القانونية ذات الصلة، لم تعمل الجماعات على إنجاز الدراسات الطبوغرافية اللازمة لتحديد وتحفيظ العقارات الجماعية، وتخصيص الاعتمادات المالية الضرورية لتسوية الوضعية القانونية لهذه العقارات، وهكذا، وعلى الرغم من الدور الذي تلعبه سندات الملكية في الحفاظ على الممتلكات العقارية وتثمينها، فإن مجموعة من الجماعات لا تتوفر على هذه السندات، ولا على أية وثائق قانونية تثبت ملكية العقارات التي تستغلها، وهو ما لا يراعي المقتضيات المعمول بها في هذا الصدد. وتضمن التقرير الإشارة إلى نقائص على مستوى تدبير الأسواق الأسبوعية والمجازر، ولا يحرص معظم مستغلي الأسواق الأسبوعية والمجازر على احترام التزاماتهم تجاه الجماعات، مما يفسر تردي وضعية الأسواق والمجازر، إذ لوحظ أن المجازر المتواجدة بعدة جماعات توجد في وضعية غير ملائمة بالنظر إلى معايير السلامة الصحية والنظافة الواجب توفرها على مستوى هذا المرفق، حيث تنتشر بمحاذاتها الحشرات والنفايات المتراكمة، كما يتم تصريف المياه المستعملة أثناء الذبح وبقايا الذبيحات في الهواء الطلق دون مراعاة للنتائج السلبية لهذا الوضع على المحيط البيئي. كما لا تولي الجماعات المعنية العناية اللازمة للمحافظة على نظافة مرفق السوق الأسبوعي، وهو ما من شأنه أن يؤثر بشكل مباشر على صحة المواطنين وكذا على الموارد المالية المتأتية منه.
وتطرقت التقارير إلى الاختلالات التي تشوب قطاع التعمير وتدبير المجال، من خلال عدم التوفر على تصاميم التهيئة أو التأخر في إعدادها، حيث لوحظ، في هذا الصدد، عدم توفر معظم الجماعات المراقبة على تصاميم تهيئة مصادق عليها أو التأخر في إخراجها إلى حيز الوجود من طرفها، وذلك، بالرغم من أهمية هذه التصاميم في تأطير النمو العمراني للجماعات الترابية، باعتبارها وثائق تنظيمية تحدد حقوق استعمال الأراضي وكذا المقتضيات القانونية المطبقة، وهو ما يؤدي إلى إحداث فراغ على مستوى تغطية المجال الجماعي بالتجهيزات والمرافق العمومية الضرورية لتلبية حاجيات السكان بالموازاة مع التطور العمراني السريع، كما يتسبب في انتشار البناء العشوائي، وكذا التقسيم غير القانوني للأراضي. كما سجلت التقارير مخالفة شروط إحداث التجزئات السكنية، وتبين، من خلال فحص ملفات التجزئات المحدثة بعدة جماعات، أن هذه الأخيرة لا تتأكد من مدى ملاءمة الأشغال المنجزة للمعايير التقنية المعمول بها والوثائق التقنية ذات الصلة، فضلا عن عدم حرصها على إنجاز أصحابها لبعض التجهيزات الواردة في دفاتر التحملات أو عدم مخالفتهم للتصاميم المصادق عليها، كما هو الشأن بالنسبة لعدم استكمال المجزئين لأشغال الطرق والممرات والإنارة العمومية وقنوات الصرف الصحي، وتخصيص المناطق المعنية بإحداث المساحات الخضراء، …إلخ.
كما لوحظ قيام بعض الجماعات بالتسلم المؤقت لأشغال التجزئات دون القيام بتحصيل الرصيد المتبقي عن الرسم المستحق، وكذا الترخيص بإحداث تجزئات سكنية قبل تسوية الوضعية العقارية للأراضي المعنية بها. ووقف قضاة المجلس الأعلى للحسابات على عدم احترام المقتضيات المتعلقة بمنح رخص البناء، وتبين، من خلال المعاينات الميدانية المنجزة بتراب الجماعات المراقبة، تواجد مجموعة من البنايات التي تم تشييدها أو شرع في تشييدها دون الحصول على الرخص اللازمة، كما قام رؤساء مجالس بعض الجماعات بمنح رخص للبناء بشكل انفرادي ودون أخذ رأي اللجنة الإقليمية المختصة، كما لوحظ، في نفس السياق، عدم إلزام الإدارات العمومية بالحصول على الرخص قبل مباشرة عمليات البناء، وكذا منح رخص إصلاح المباني عوض رخص للبناء.

ثلاثة أسئلة لمحمد زين الدين أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بالمحمدية : «المتابعة القضائية للمنتخبين الفاسدين تكريس لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة»

1- ما الخلفيات وراء تحريك وزارة الداخلية المتابعة في حق عدد من رؤساء الجماعات الترابية المتهمين بالفساد؟
تجب الإشارة في الأول إلى أن الجماعات الترابية بأشكالها الثلاثة، من مجالس العمالات والأقاليم، ومجالس الجهات، وأيضا المقاطعات، قد تعتري تسييرها بعض النقائص، ما يدفع إلى إحالة الملفات المشبوهة على القضاء، وهو ما سبق وحصل بشكل واسع خلال السنة الماضية، بعد التقارير المستفيضة للمجلس الأعلى للحسابات، الذي وقف على جملة من الخروقات الإدارية والمالية التي اعترت تسيير العديد من مجالس الجماعات الترابية، سواء التي تسيرها أحزاب من الأغلبية، بما فيها الحزب الحاكم، أو التي تسيرها أحزاب من المعارضة، وقد تكرس هذا الأمر بعد صدور تقرير المفتشية العامة لوزارة الداخلية في السنة الماضية، وهو التقرير الذي حرك المتابعات القضائية في حق العديد من رؤساء هذه الجماعات، لأن هذه الاختلالات لا تكمن فقط في هدر المال العام، بل أيضا في تعطيل وتأخير العديد من المشاريع. وهناك أكثر من ذلك، حيث إن بعض هذه المجالس أرجعت فائض الميزانية إلى وزارة الداخلية، وكأنها لا تحتاج إلى تلك المبالغ المالية في شيء، خوفا من المحاسبة. واليوم نرى إخراج هذه الملفات لعدة اعتبارات مختلفة، أولها منح المزيد من المصداقية للمبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، المنصوص عليه في الفصل الأول من الدستور المغربي. ولعل أول الأشخاص الذين ينبغي محاسبتهم، هم مسيرو الجماعات المحلية، باعتبار تلك الجماعات هي القناة الأساسية لتدبير الشأن العام المحلي، كما أن هؤلاء المسيرين هم المسؤولون المباشرون عن تدبير التنمية البشرية على المستوى المحلي، وهذه المتابعات هي رسالة سياسية من شأنها أن تحقق نوعا من المصالحة مع الممارسة السياسية لدى شق كبير من الرأي العام الوطني.
أما الجانب الثاني، فهو توجيه رسالة سياسية إلى بعض المكونات السياسية التي حولت هذه المجالس إلى (رهائن)، وهو الأمر الذي يتجلى في إيقاف مشاريع، كما هو الشأن بالنسبة إلى الرباط والدار البيضاء، هذه الأخيرة التي تحولت إلى مدينة التخلف بكافة المقاييس وعلى كافة المستويات، وهذا يستدعي المحاسبة، على اعتبار أن المشاريع التي كانت في عهد العمدة السابق قد تم توقيفها أو عرقلة إتمامها، فيما تتوقف أشغال الإصلاحات والترميم في جل المناطق بالمدينة من أحياء راقية إلى بعض الأحياء الشعبية، وقد انعكس هذا الأمر على واقع العاصمة الاقتصادية، وهو الأمر الذي يستدعي إعمال مبدأ المحاسبة من خلال تحريك المتابعة في حق كل من يريد أن يجعل من المشاريع والأوراش المرتبطة بالمدن (رهائن) لحسابات سياسية. أما الجانب الثالث وهو أساسي، فهو المتعلق بضرورة وجود توافق بين مكونات الأغلبية داخل تلك المجالس من أجل تقديم حصيلة تذكر في هذا الإطار، وهو الأمر الذي لم نسجله من الحزب الحاكم في جميع المجالس التي يرأسها، وخاصة في المدن الكبرى كالدار البيضاء، الرباط، مراكش، فاس، مكناس ودرعة تافيلالت، ويكفي أن نرى كيف تحولت الدار البيضاء إلى مقبرة المشاريع، لنرى نتيجة تدبير هذه المجالس.

2- ما تفسير أن غالبية المجالس التي يرأسها منتخبون من «البيجيدي»، تواجه صعوبات واختلالات في التسيير؟
أرى أن الأمر هنا مرتبط بعدة عوامل تتداخل مع بعضها، لعل أولها مشكل غياب الكفاءة لدى هؤلاء الرؤساء، على اعتبار أن بنية المدن الكبرى جد معقدة، كما هو الشأن مثلا بالنسبة إلى الدار البيضاء، الرباط ومراكش، ولا يمكن أن يتم تسيير هذه المدن بمنطق الهواة، زيادة على وجود مشكل سياسي، يتمثل في أن مكونات هذه المجالس في حد ذاتها ليست منسجمة، وهذا يفضي بها إلى الدخول في صراعات سياسوية تنتهي بتعطيل العديد من المشاريع، بالإضافة إلى جانب ثالث وهو مهم، ويتبدى في غياب برنامج للتنمية، وهو ما يشير إليه نص القانون بمخطط التنمية الذي يجب أن يوضع في السنة الأولى، ويعمل المجلس على تنزيله، وهو ما لم نسجله مع كل هذه المجالس. كان من المنتظر ونحن على مشارف انتهاء ولاية هذه المجالس، أن نرى حصيلة هذه السنوات وما تم تحقيقه من هذا المخطط وما لم يتحقق، وهو ذلك الأمر الذي لا يمكن أن يحصل لغياب هذا المخطط منذ البدء.

3- ما المسطرة التي تلزم سلطة الوصاية بمتابعة رؤساء المجالس الفاسدين؟
إنه في إطار احترام دولة الحق والقانون، ودولة المؤسسات، وتكريس المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، يقتضي ضرورة ضمان المحاكمة العادلة بالنسبة إلى هؤلاء المسؤولين، فإنه من حق وزارة الداخلية عن طريق السيد العامل الذي توجه الجماعة المعنية في ترابه الإقليمي أن يتقدم بشكاية لدى المحاكم الإدارية، وحينها يتم تحويل الملف أمام أنظار القضاء للبت فيه. والمحاكم لها الصلاحية الكاملة، في إعطاء البراءة وإدانة المنتخب، وخارج هذا النطاق لا يمكن توجيه الاتهام إلى هؤلاء المنتخبين إلا في إطار الاحترام للمسطرة القانونية، ووجود أدلة وبراهين على فساد مالي وتدبيري، وإذا ثبتت إدانة المنتخب يمكن عزله بل سجنه، وهناك قرارات تم فيها إلغاء تعيين المنتخب، ويبقى الحكم مرتبطا بطبيعة القضية، إذ إنه إذا كان الأمر مقترنا بجرم كهدر المال العام أو السرقة أو الرشوة، فيمكن أن يصل الموضوع إلى متابعة جنائية، وهذا الأمر يعكس دولة الحق والقانون، والحصانة الإجرائية عكس الحصانة المطلقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى