متى يعلنون وفاة العرب؟(2/2)
إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها أوربا، قد طوت صفحة الخلاف والعداء مع إيران الشيعية، فإن درجة الحمى بسبب تنامي تيارات التشيع ارتفعت في بلدان الإسلام السني.
أول من أصيب في المغرب بأعراض الحمى، بسبب ما اعتبره مدا شيعيا في المغرب هي حركة التوحيد والإصلاح، سلسلة حركة «الشبيبة الإسلامية»، والذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية الحاكم.
فقد اعتبرت سماح الدولة لمؤسسة الخط الرسالي بالوجود والنشاط تساهلا مع المد الشيعي، القادم نحو المغرب من إيران.
أسابيع بعد الندوة التي عقدتها حركة التوحيد والإصلاح، تحت شعار «خطر التشيع على المغرب وسبل الوقاية منه»، والذي وصفت فيه التشيع بالوباء الحضاري الذي يتهدد أمن الوطن وسلامة المسلمين المغاربة في أجسادهم وأرواحهم، أعلن حزب عرشان المسمى «الحركة الديمقراطية الاجتماعية» ضمه للسلفيين والشيعة المغاربة تحت جناحه.
هناك إذن ما يشبه تطبيعا حزبيا مع التيار الشيعي في المغرب، عبر أحد أبرز وجوهه، إدريس هاني الحسني، الذي يرتاد الحوزات الدينية في إيران بانتظام، استعدادا لإدماج هذا المكون داخل الماكينة السياسية.
إذا كانت فرائص حركة التوحيد والإصلاح، ومعها حزب العدالة والتنمية، ترتعد لمجرد ذكر اسم الشيعة، لارتباط سلفيي التنظيمين بالوهابية السعودية، فإن أحزابا أخرى أصبحت أكثر انفتاحا إزاء تيارات التشيع.
ومن هنا يمكن أن نطرح سؤالا قد يبدو غريبا لكثيرين، وهو ما حقيقة علاقة حميد شباط بالشيعة؟
فشباط يمكن أن نتصوره «سكليسا» جاهلا، كما تحب مدام العسالي أن تنعته، أو بلطجيا مسخرا أو عميلا مزدوجا كما يحب بنكيران أن يصوره، لكن لا يمكن أن نتصور الرجل شيعيا، أو مقربا من الشيعة.
غير أن ما يجهله كثيرون هو أن شباط اعتمد خلال مساره السياسي الطويل على نصائح وتأطير الصحفي عبد النبي الشراط الحسيني، صاحب شركة «دار الوطن للصحافة والتواصل» الموجودة بالرباط، وهو الذي كان يسير له جريدة «غربال القرويين» التي أغلقت أبوابها بعد طلاق الشقاق بين شباط والشراط، وهو الطلاق الذي وصل إلى ردهات المحاكم، وانتهى بالحكم ضد شباط بأداء مستحقات غريمه، الذي يستعد هذه الأيام لنشر كتاب بعنوان «شباط… حين كان نسيا منسيا».
وما يجهله كثيرون أيضا هو أن عبد النبي الشراط الحسيني، الذي يقدم نفسه كعالم أديان، رجل شيعي معلن، فهو لا يتوانى عن التصريح بكونه شيعيا علمانيا، متشيعا لآل البيت. وحسب زعمه فهو غير تابع لإيران التي يرى أنها خربت المذهب الشيعي، وهو نفسه الذي انبرى يدافع عن تأسيس «الخط الرسالي» بالمغرب في 19 يناير 2012 وكال الشتائم للفيزازي والكتاني لمعارضتهما السماح بنشاط شيعي بالمغرب.
تطليق شباط للشراط لم يتوج بتخلي الأول عن فكر الثاني، ولم ينته بالقطيعة الابستيمولوجية مع الشيعة، كما يقول الجابري رحمه الله، فلا يزال شباط يردد لازمة «فاس المدينة المقدسة» مشبها إياها بالمزارات الشيعية المقدسة ويبحث لها عن الأحاديث الموضوعة ليدعم موقفه، كما لا يزال يطعم خرجاته وقفشاته بادعاء حصوله على «بركة مولاي إدريس» ويتهم بنكيران بكراهية «فاس المقدسة»، لتحريض الشرفاء الأدارسة عليه، ولكي يبرر اتهامه له بـ«مسخوط فاس».
وليس صدفة أن تكون الذراع الانتخابية الضاربة لشباط هي «جمعية أوربة لمحاربة الفقر والهشاشة» التي ترأسها زوجته فاطمة طارق، و«جمعية مولاي إدريس للتضامن» التي يرأسها صديقه في «شركات الفتح الجديد»، فقبيلة أوربة التي ينتمي إليها شباط وزوجته كانت أول قبيلة أمازيغية بايعت المولى إدريس الأول حين قدم هاربا من مجزرة كربلاء، وزوجته ابنتها كنزة الأوربية التي ولدت له المولى إدريس الثاني، حيث تم تأسيس أول دولة شيعية بالمغرب.
وإذا كان «خطاف» واحد لا يصنع ربيعا، كما يقول المثل، فإن عبد النبي الشراط الحسيني ليس الشيعي الوحيد في محيط شباط، فقد أعلن شخص عبر تدوينة طائشة على حائط شباط متباهيا بأنه أسس ثلاثة مواقع إلكترونية «للدفاع عن شباط ومهاجمة بنكيران السني وصحبه في حزب النذالة الذين يصفهم بأحط النعوت».
وبالرجوع إلى تلك المواقع، نجدها كلها تعود إلى شخص واحد يسمى الشريف الإدريسي، والذي يبدو أنه مدمن على تأسيس المواقع الإلكترونية التي يمجد فيها الشيعة وشباط على حد سواء، ويسب فيها من يسميهم «الوهابيين» و«الخوانجية» و«الدواعش» وعلى رأسهم بنكيران، بما في ذلك عدم نسيانه الاحتفال بذكرى تأسيس «الخط الرسالي» ونشر حوارات ومواقف زعماء هذا التيار، أمثال ابن عمه عصام احميدان الحسيني الذي ينحدر معه من نفس الخط السلالي.
و«الخط الرسالي» هو تنظيم شيعي اختار أن يتلحف بلحاف مركز للدراسات والطبع والنشر، وأن ينتظم في شكل شركة تجارية بمدينة فاس تحمل السجل التجاري 43423 وتسمية «مؤسسة الخط الرسالي للدراسات والنشر» بتاريخ 2014/03/17 والتي يديرها بنتحايكت خالد.
الشريف الإدريسي هذا، كما يقدم نفسه، هو ضابط سام سابق في الجيش، وصداقاته عبر «الفيسبوك» جلها لصفحات عسكريين ودركيين ومخازنية متمردين وناقمين على أوضاعهم ورافضين لتعسفات رؤسائهم، وأيضا للروافض من الشيعة الاثني عشرية، وهي خلطة صداقات أكثر من غريبة.
وباستقراء ما يختزنه موقع «غوغل» من أحداث في ذاكرته الافتراضية، نعثر بسهولة على عنوان تناقلته الجرائد الإلكترونية في 4 يناير 2015، حيث أوردت خبرا عن استقطاب شباط لمسؤول عسكري متقاعد ولوال سابق لولاية جهة كلميم السمارة، واحتفاله بالحدث العظيم بمركب الحرية بمدينة فاس.
أما الوالي السابق فهو عبد الله عميمي، الذي كان عاملا على مولاي يعقوب عندما كان شباط رئيسا لبلدية زواغة التابعة لنفوذها، ويقال والله أعلم إنه سوف يترأس لائحة حزب «الميزان» في مقاطعة زواغة في الانتخابات المقبلة.
وأما الضابط السامي المتقاعد فهو الشريف الإدريسي، الذي يبحث عن صور قبر جده إدريس بن عبد الله المحض في العراق ليزين بها مواقعه الإلكترونية الكثيرة، والتي من بينها موقع «أهل البيت 12»، وموقع «حميد شباط رئيس الحكومة المقبلة»، وغيرهما كثير.
وإذا نحن أخذنا بعين الاعتبار هذه الخلفية المذهبية في السلوك السياسي لشباط ولمحيطه، نستطيع أن نفهم لماذا يصر الرجل على أن يظهر بمظهر المصلي الورع، والخطيب الذي يوزع المصاحف على الأتباع والمريدين في كل مناسبة وبدون مناسبة، ولماذا رفض أن ينجر خلال برنامج «ضيف الأولى» إلى مناقشة قضايا حارقة مثل فتاتي إنزكان ومثلي فاس، معتبرا أن النقاش حول الموضوع نقاش هامشي، فهو يفضل أن يخسر حلفاءه الحداثيين الذين يعرف محدودية قوتهم الانتخابية، على أن يسقط في فخ خسارة مخزونه الانتخابي الذي لا يعرف سره إلا هو.