شوف تشوف

الرأيالرئيسية

متى تعتذر لنا باريس؟

يونس جنوحي

أنظار الجزائريين كانت مشدودة إلى الطائرة الرئاسية الفرنسية وهي تحط في مطار الجزائر أكثر مما اهتموا بالندوة الصحافية التي عقدها رئيسهم مع نظيره الفرنسي أول أمس.
هل فعلا يعقد المسؤولون في الجزائر آمالهم على فرنسا؟ أم أن الزيارة جاءت فقط لتبديد الضجر، خصوصا بعد التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي، والتي قال عنها الجزائريون إنها إهانة لهم؟
في الرباط هناك توتر في العلاقات مع باريس. مماطلة كبيرة في منح التأشيرات للمغاربة وارتفاع صادم لنسبة التأشيرات المرفوضة رغم استيفاء أصحابها لكل الشروط. هذا على مستوى الشارع، أما على المستوى الدبلوماسي، ففرنسا لم يفارقها بعدُ الإحساس بأن الرباط مكتب للإقامة العامة الفرنسية، ويلزم باريس علاج بالصدمات لتقبل وجود المغرب بخريطة كاملة غير منقوصة فوق الخارطة. وبدا واضحا، حسب محللين فرنسيين أنفسهم، أن باريس بدأت تقلق من الوزن الإقليمي للمغرب، خصوصا بعد الإنجازات الدبلوماسية غير المسبوقة التي بصمت العام الماضي والحالي.
من العجيب، ولعله من دروس التاريخ، تزامن زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر مع الذكرى التاسعة والستين لانطلاق العمل المسلح ضد الحماية الفرنسية في المغرب ردا على تدخل فرنسا في الشأن الداخلي والديني ونفي محمد الخامس وتنصيب ابن عرفة مكانه.
فالرئيس الفرنسي، الذي قال للجزائريين، أول أمس، إن بلاده سوف تشكل لجنة من المتخصصين لكي ينسقوا مع نظرائهم الجزائريين تشكيل لجنة لدراسة الأرشيف المشترك، يعلم جيدا أن حجم الأرشيف بين فرنسا والمغرب يستحق تكوين لجان علمية وليس لجنة واحدة لتصنيفه وترقيمه وترميم ما تلف منه.
هل ستسلمنا فرنسا يوما ما سجل نزلاء سجن القنيطرة المركزي أو غيره من السجون الفرنسية التي أدانت مواطنين مغاربة لأنهم خرجوا في مظاهرات، في مثل هذه الأيام من سنة 1953؟
لماذا لم يسبق لأي فرنسي أن دعا إلى تسليم المغرب أرشيف لوائح الذين تم إجبارهم على العمل في الأشغال الشاقة نواحي ورززات منذ 1919 لبناء الطرق ونحت المنعرجات التي لا تزال قائمة إلى اليوم.
دعونا في لوائح نزلاء سجن القنيطرة، فهذا المكان وحده كان مسرحا لتعذيب المغاربة فقط لأنهم مروا في التوقيت المناسب بالقرب من دورية فرنسية. لوائح النزلاء سوف تكشف إلى أي حد عانى آباؤنا وأجدادنا مع الإدارة الفرنسية. أما لوائح الذين نفذت فيهم أحكام الإعدام فتستوجب فعلا الاعتذار الفوري لكل العائلات المغربية. إذ في سنة 1954 أعدمت فرنسا لائحة طويلة من المغاربة البسطاء فقط لأنهم اعترضوا على تفويت أراضيهم الفلاحية لمعمرين فرنسيين مارسوا فيها زراعة العنب على الطريقة الفرنسية.
وقبل أن نطالب فرنسا بالاعتذار عن جرائم إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين في الشوارع، علينا أن نطالب أولا بجرد بأسماء المعمرين الفرنسيين الذين مارسوا السلطة بشكل سادٍ على الفلاحين المغاربة وأجبروهم على العمل في أراضيهم بالمجان، وقبل أن يرحل هؤلاء المعمرون فوتوا ملكية الأراضي المغربية إلى معمرين آخرين، استرجعها المغرب بعد سنوات، وكان تدبير تفويتها للفلاحين المغاربة مهمة مضنية استنزفت الإدارة المغربية.
إذا فتحنا مسألة إعادة دراسة الأرشيف المغربي مع فرنسا، فسوف نصبح أمام موضوع أكبر وهو الاعتذار للمغاربة والكشف عن مصير مناضلين مغاربة منذ مظاهرات رفض الظهير البربري. فهل سيستطيع «ماكرون»، أو من يأتي بعده أن يفتح هذا الملف وينفض عنه الغبار؟
عندما وقع المغرب وثيقة الاستقلال رسميا عن فرنسا في الثاني من مارس 1955، قام المسؤولون الفرنسيون في اليوم الموالي بإفراغ إداراتهم من أكوام من الأرشيف. بل إن القاعدة الجوية الأولى في المغرب، والتي سلمها فرنسيون إلى الجيل الأول من الطيارين المغاربة، بينهم الكولونيل عبد السلام بوزيان الذي توفي الشهر الماضي فقط، وجد عندما تسلم مفاتيحها من الفرنسيين أن محتويات مكاتبها فارغة تماما، بل لم يجد حتى المصابيح في المكاتب. والذين «سرقوها» كانوا يخططون فعلا لإغراقنا في الظلام!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى