متى استعبدتم المرشحين؟
لجأ حزب العدالة والتنمية إلى أسلوب الطعن الإداري والقضائي في المتنافسين الذين كانوا ينتمون إليه سابقا، وخرج رئيس الحكومة وبيانات الحزب ليشتكوا من الهروب الجماعي للآلاف من مناضليهم للالتحاق بأحزاب منافسة متهما «مافيات» المال بشراء أعضاء حزبه، وكأنهم أشخاص فاقدين للأهلية يتم الاتجار بهم في «دلالة» سوق أسبوعي وليسوا مواطنين لهم الحق في اختيار انتمائهم السياسي ولهم حق تغييره، مهما كانت الأسباب والدواعي التي يرونها كفيلة بتغيير قناعتهم السياسية مادام القانون يسمح لهم بذلك.
وبدل أن يطلق حزب العدالة والتنمية نقاشا تنظيميا واسعا لتفسير أسباب الفرار الجماعي لمناضلين كان يدعي إلى حدود الأمس القريب، أنهم منتوج خالص للحزب الحاكم بأخلاق سياسية رفيعة، فإنه اختار طريق البكاء السياسي ولعب دور الضحية واستدعاء قاموس المؤامرة للتمهيد لهزيمة انتخابية مدوية بدأت مؤشراتها تظهر للعموم حتى قبل إعلان النتائج.
كثيرا ما كان يدعي الحزب الحاكم كذبا أن حرية الانتماء السياسي حق شخصي وأن أبواب الخروج من الحزب أوسع من أبواب دخوله، لكنه اليوم يريد تكبيل مرشحيه بتأويلات متعسفة للقوانين الهدف منها مصادرة حق المرشح في تغيير وجهته السياسية، هو يريد أن يحول منع الترحال السياسي الذي نظمه المشرع بشروط إلى آلية لإخضاع الأفراد وإذعانهم، مستندا إلى ادعاءات واهية ودعاية كاذبة، لكنه لا يريد أن يرى في هذا الهروب الجماعي تعبيرا عن غياب الديمقراطية الداخلية وهيمنة الكولسة وانعدام الحوار الموضوعي وسيادة التوريث والعائلات في الترشيحات.
نحن هنا لا ندافع عن «الميركاتو» الانتخابي الذي أساء بدون شك إساءة بالغة للمشهد السياسي منذ سنوات، ونحن مع فكرة الانضباط الحزبي لدى أعضاء الحزب حتى يتسنى الفرز السياسي والإيديولوجي. لكن في المقابل لا يمكن مصادرة حق المواطن في تغيير انتمائه السياسي ما لم يمنع القانون ذلك، فالانتماء السياسي ليس إيمانا بعقيدة دينية تستوجب التكفير بعد تركها بل هو اختيار بشري له سياقه ومعطياته، وقد تدعو تلك السياقات إلى مراجعة الشخص لأفكاره سواء بدافع مصلحة شخصية أو عامة. ويبقى للمواطن وحده عبر الانتخابات حق محاسبة من يغير قناعته السياسية، وليس الحزب، عملا بقاعدة أن الشعب مصدر الشرعية الانتخابية، يأتي بمن يشاء للتدبير، ويُخرج منه من يشاء.
عليه وانطلاقا من المبدأ الديمقراطي ومستلزماته يستوجب على الحزب الحاكم الإذعان إلى قناعة أعضائه بالبقاء أو المغادرة، دون أي شكل من أشكال الإكراه بالبقاء داخل بيت الطاعة من خلال تحريك قضايا طعن انتخابي أو شن حملة تشويه ضد الفارين منه وهي أدوات لم تعد تجدي نفعا بل بالعكس تظهر حزبا متسلطا يريد فرض نفسه بالقوة على الآخرين.