شوف تشوف

الرأيالرئيسيةمجتمع

متلازمة العنف المجتمعي

من منا لم ير يوما مجموعات غاضبة، لفظتها الملاعب، تغزو وسط المدينة، مجتاحة شبكة طرقها، فوق كل المركبات والناقلات العمومية وغير العمومية، تتعمد كسر كل شيء في طريقها.. إنها صورة متواترة، اعتدنا رؤيتها على هامش أحداث، ومفاجآت بعض الوقائع المنحرفة، التي صارت تشل حركة حواضر مدن المغرب الكبرى لساعات.

لكن، وحتى لا نخدع أنفسنا، وللأسف، فهناك كثير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يجذبهم الفضول، لمتابعة مسلسل العنف اليومي، من هذا الصنف، بالصورة والصوت، والإقبال عليه، بثمن فرجة حيادية، لن تكلفهم شيئا، وستخلع عنهم رداء المسؤولية، ما داموا بعيدين عن بؤرة هذه الأحداث العنيفة.

وثمة سؤال عالق:

–  لماذا يمارس العنف المجاني، مثل هذا الاندهال، والافتتان على الجموع؟ هل يمكن أن ندخله في خانة اضطراب نفسي جماعي، يعيشه رواد التطبيقات الافتراضية؟

الغريب أن في بعض أطاريح السوسيولوجيا، تجد تفسيرا مسايرا لهذه الحالات، كأنها تقدمه بمثابة عذر، يزكي الإشكال، عوض إيجاد حل له! فلقد قيل، لنا دوما، إن الفقر والإقصاء الاجتماعي أو الطبقي، وتفكك وتصدع الوحدة الأسرية، واليأس والإحباط النفسي، والانفجار الديموغرافي الفوضوي، بأحزمة المدن الكبرى، والانحراف عن النظام العام، بالطرق والميادين العامة، كلها تبقى عوامل فتاكة، تولد رغبة الانتقام من المجتمع، وهدم قيمه، إن لم تتحول إلى عنف ارتدادي ضد الذات..

فهل هذا التفسير يحتوي على بعض الحقيقة، وهل يمكن أن يبرر كل هذه الأعراض والانفلاتات الانتقامية؟

ووفقا لهذا الطرح، فكأن العنف المجاني أصبح طريقة جديدة لتعديل التوازن الاجتماعي، وتأرجحاته، أو متنفسا لاحتقاناته الداخلية. فبعض العدميين سيقولون إذا كان هذا هو الحال، فمن الأحسن تجاهله، وحشره في إطار الفرجة والسخرية، من مجتمع لا شيء يرجى منه!

وبالتالي، فشعارات الاحترام والتسامح، وحوار التعايش، تلك القيم التأسيسية لشعب ودولة متحضرين، ستتحول إلى قيم غريبة ومنبوذة بالعديد من المناطق الـ«حساسة» من خريطة البلد، والتي تصنف مسبقا في عرف الأثرياء الجدد، كأنها «غيتوهات» محلية، لتخريج عتاة الانحراف والهمجية.

هذا سيفتح الطريق أمام تصرفات وليدة الدفاع الذاتي، لحماية الممتلكات الخاصة، بعيدا عن إجراءات اللجوء لتدخل أمن الدولة، التي هي بطبيعة القانون، الوحيدة الحائزة على صلاحية احتكار العنف الشرعي ضد الإجرام.

فلتشجيع الدفاع عن النفس، سيسمح هؤلاء لأنفسهم، ربما يوما ما، بإدخال منتوجات تأمينية، من مثل قنينات «لاكروموجين» أو العصي الكهربائية، وبيعها علانية، على أساس أن الكل له الصلاحية، لاستخدامها للردع! مع أن القانون يمنع تداولها منعا باتا.

فمن هذا الذي سيتسامح، ويقبل عرفا، سلوكات الغوغاء، عند استعمال ما يسمى بيد الشرع، لردع الجريمة في عين المكان، قصدا منهم، تحقيق العدالة السماوية، فورا، ولقد شاهدنا حدوث مثل هذه التجاوزات بأسواق البوادي النائية، ضد اللصوص؟

أو من هذا الذي سيقبل، وسيزكي، سلوكا غريبا، من نوع منح المكافآت السخية لاحترافيين في الإجرام، لإعانة شخص على الانتقام !… إنه الجنون بعينه!

مع أن هذا المثال السيئ، متداول أحيانا، وسمعنا به في نوازل إجرامية، تم ضبطها وتقديمها إلى المحاكمة.

إذن فليس هناك عاقل، ويحتكم مبدئيا لشرعية القانون الوضعي المدني، وينضبط لمقتضياته، سيقبل بمثل هذه التصرفات، التي تخرج عن دائرة التعاقد الأمني، وتهدد بتفجير السلم، وانسجام علاقات المجتمع الداخلية.

–  ثم ارتباطا بمتلازمة العنف الاجتماعي، وتصاعد وتيرة الإجرام، وكيفية التعاطي معها، سنجيب مبدئيا عن سؤال صار هاجس النقاش العمومي حاليا. سؤال، لم يكن مطروحا من قبل، بهذه الحدة على الرأي المغربي.. وهو: هل يجوز إطلاق الرصاص على من يهدد الأمن العام، حاملا سلاحا ما، ويشكل خطورة على حياة المدنيين المسالمين؟ جوابنا المؤقت، سيأتي على شكل مصفوفة، من الملاحظات الجانبية وكالتالي:

1 – لا يمكن إطلاق النار إذا فر المشتبه فيه، على الأكثر ما يمكن السماح به، في الدول المتقدمة قانونيا، هو طلقة تحذيرية لا غير، لتفادي إزهاق الأرواح عبثا.

2- تأطير استخدام السلاح بضوابط من المقترحات الأكثر إلحاحا – مثلا في الدول الأوروبية (وتابعنا نقاشات على القنوات بخصوص هذا)، حتى لا تكون هناك حالات فيها شطط وفلتان، بدون وجه حق.

3- الإشكال المطروح هو كيف يمكن تخمين سيناريوهات، لتدخل الشرطة، في ظروف تستدعي فعلا استخدام قوة السلاح، مع العلم أن هناك تعقيدات عويصة بنوازل إجرامية، هي بالتحديد الأكثر إشكالا وغير متوقعة، في حسابات الشرطة، وتتطلب خبرة، وسرعة البديهة، لعلاجها بعين المكان.

وأخيرا النازلة، ليست بتلك السهولة من الوجهة القانونية، خاصة وأن شرعية استعمال السلاح الناري معطاة لجهة واحدة، المفترض فيها إيجاد حلول ذكية عادلة ووقائية، وليست انتقامية للتخلص من المنحرفين. حلول احترافية، تكون في صالح حتى الذين نعتبرهم مجرمين، يعيشون بيننا، ونريد في الأغلب حمايتهم من شر أنفسهم، أكثر مما نريد ضررهم. لماذا؟ لأن الأساس والأولوية هو للعدل الإنساني، وليس فقط التخلص من مصدر الشر، وهذا هو قمة ما وصلته الحضارة البشرية، في التعامل مع ملابسات الجريمة، كيفما كانت وحشيتها، وظروفها وتعقيداتها.

نافذة:

من هذا الذي سيتسامح ويقبل عرفا سلوكات الغوغاء عند استعمال ما يسمى بيد الشرع لردع الجريمة في عين المكان قصدا منهم تحقيق العدالة السماوية فورا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى