قال الكاتب المصري الكبير جلال عامر، وهو يمشي باكيا في مسيرة تأبين شهداء مذبحة بور سعيد: «المصريين بيقتلوا بعض»، قبل أن يكتب تغريدته الخالدة: «أصبحت مهمة المواطن صعبة، فعليه أن يحافظ على حياته من «البلطجية»، وأن يحافظ على عقله من السياسيين».
حين نعود إلى مجزرة ملعب بور سعيد، في الفاتح من فبراير 2012، سنجد بأن الازدحام كان السبب الأول وراء مقتل أزيد من سبعين مشجعا أهلاويا، وبالرجوع إلى التقرير الذي باشره القضاء المصري، يتبين حجم مسؤولية إدارة الملعب في الفاجعة، حين قامت بإطفاء إضاءة الملعب وحولته إلى فضاء لمعركة تحت الظلام.
في مصر دخل البرلمان على الخط، وعين لجنة لتقصي الحقائق، حيث كشف وكيل مجلس الشعب أن معظم الوفيات حدثت بسبب الاختناق والتدافع، وأن عدد الجمهور فاق الطاقة الاستيعابية للملعب. اليوم ما زال كثير من المتورطين في مذبحة بور سعيد خلف القضبان.
في مركب محمد الخامس، مئات الأشخاص يحملون على صدورهم «بادج» عليه صفة «أورغانيزاتور» منظم يسمح له بالتجول بكل حرية في الملعب وخارجه، ويصبح طرفا معيقا للعملية التنظيمية.
في مباراة الرجاء والأهلي أقصي الرجاء نتيجة وأداء، وانهزمت الشركة المشرفة على التنظيم في الاختبار مرة أخرى، فتبين أن أقصى الهزائم هي هزائمنا التنظيمية.
في مباريات الضغط العالي، التذكرة أغلى من روح مشجع، والملعب أضحى مسرحا للجريمة، والجناة يرتدون أرقى البذلات، وأقبية الحراسة النظرية تضيق بزوارها عقب كل مباراة.
اليوم، وأمام عجز شركة «كازا إيفنت» عن تدبير المركب الرياضي محمد الخامس، طفا على سطح الأحداث مقترح سحب مسؤولية الملعب من شركة الدار البيضاء للتظاهرات، وتسليمه إلى شركة «سونارجيس» إلى جانب القاعة المغطاة، وهذا القرار يحتاج طبعا إلى مسطرة طويلة وإلى قرار سياسي.
في عهد «كازا إيفنت» كثرت المواجع والنكبات، إلى أن اقترح أحدهم تحويل الملعب الملحق للمركب الرياضي محمد الخامس، إلى مدافن للقتلى الذين يموتون كل أسبوع تحت الأقدام، ابتغاء فرجة تزيد من حجم الأوجاع. لا يمكن لشركة التنمية هذه أن تنظم مهرجانا للضحك ومهرجانا لتأبين ضحايا الملاعب.
ليست صحيفة سوابق «سونارجيس» خالية من النكبات، فقد كان لها نصيب من مواجع الكرة المغربية، في ملعب مراكش، حين سالت الدماء في معركة بين المراكشيين والمسفيويين، وفي ملعب الأمير مولاي عبد الله حين غرق في الأوحال، أو عندما أريق على جوانبه الدم.
هناك حل ثان تقدم به منتخبون في مجلس المدينة يدينون بالولاء للرجاء أو الوداد، فقد تقدموا بملتمس غير رسمي لتسليم الملعب إلى الفريقين بعد تعهد بصيانته وتدبيره، وفق المعايير المعتمدة دوليا من طرف «الفيفا»، لكن المقترح معلق إلى أن يثبت الرجاء والوداد سلامة ذمته من ديون «ليدك».
أما أصحاب الحل الثالث فيطالبون بخلق شركة لتدبير مركب محمد الخامس فقط، وتترك باقي الملاعب لـ«كازا إيفنت». بينما دعا المكتوون بسياط الشغب إلى مسح الملعب من خريطة الكرة، وتحويله إلى متحف ومزار وكفى الرياضيين شر القتال.
إلى هذا الحد أصبح ملعب للكرة بؤرة توتر حقيقية في الدار البيضاء، سيما وأن المنطقة السادسة في مدرجاته والتي كتبت عليها عبارة: «مدرجات معطلة»، تهدد اليوم سلامة المتفرجين بعد أن تسللت إليها شقوق، قال عنها رئيس لجنة الرياضة بمجلس المدينة: «سنعالجها بوصفة سويسرية».
انضمت نورة إلى لائحة ضحايا مركب محمد الخامس، ماتت بسبب الاختناق وهي تصر على حضور مباراة فريقها المحبوب، أم المفارقات أن تموت دون أن يكون لها حق في التأمين، رغم أنها تحمل تذكرة. ماتت نورة وسيشيعها إلى مثواها الأخير رجال عاهدوا الله على قتل القتيل والسير في جنازته.