شوف تشوف

الرأي

مبادرة «الراعي».. الحظوظ والفرص

رضوان السيد
صارت الكتابة في الشأن اللبناني بمثابة العبث، أو تحصيل الحاصل. فبسبب تعقد الأزمة وعمقها، تبدو كل المقاربات قاصرة، أو لا تملك حظوظا للتقدم من أجل مسار جديد. فالذين يرون الخلل سياسيا واستراتيجيا، يعتبرون أن «حزب الله» مسيطر، وصحيح أن أكثرية الشعب اللبناني لا تؤيد مقاربته ولا توجهاته نحو الشرق هربا من أمريكا والعرب، كما لم تؤيد أو ترغب في تدخلاته في سوريا والعراق واليمن.. إلخ. إنما من ناحية أخرى، فهو يرتهن العهد والحكومة والبرلمان. وإذا شئنا الدقة، فإن النظام اللبناني ليس مأزوما أزمة مصيرية فقط، بل موقوف ومرتَهَن أيضا.
فإذا تعدينا المسألة الاستراتيجية إلى المسألة الحكومية، أو السلطة التنفيذية المعنية مباشرة بالأزمة الاقتصادية والمعيشية والنقدية والاجتماعية والسياسية، نجد أنها مشلولة، ولا تكاد تقوم بشيء، باستثناء الوفد المرسَل للتفاوض مع صندوق النقد الدولي على مساعدة لبنان. الوفد منقسم على نفسه، واستقال منه ثلاثة حتى الآن. وفي الجلسة السابعة عشرة قال مدير الصندوق: إن المحادثات تراوح مكانها؛ لأنه على الحكومة اللبنانية القيام بالإصلاحات المطلوبة، لكي تصبح مؤهلة للمساعدة!
أما منطق رئيس الحكومة فمختلف، إذ يزعم أن الإنجازات نسبتها 97 في المائة مما خطط له، إنما المشكلة أن المعارضين يهجمون عليه بشراسة، ويصطنعون المؤامرات والانقلابات!
في هذه الأجواء الضاغطة، جاءت مبادرة البطريرك بشارة الراعي التي نقلت في «الخطاب»، على الأقل، الأجواء من حال إلى حال. فرجال الدين المسيحيون والسنة ساخطون منذ مدة، بسبب الانهيار الاقتصادي والمالي، وما تتعرض له معيشة المواطنين من تحديات ومصاعب لا قِبَل لهم، ولا قدرات على مواجهتها. لكن البطريرك في عظتين متتاليتين، في يونيو الماضي، فصل في أمرين: الطلب من رئيس الجمهورية إطلاق سراح الشرعية (هكذا قال)، والعمل على تحييد لبنان، أو حياده، عن الصراعات الدائرة في المنطقة.
إن الطريف أن مسألة التحييد أو الحياد، هي التي أثارت النقاش الأكبر، مع أنها هي الأقل أهمية. فالحياد، دستوريا أو عمليا، هو صنع الدولة التي لها قرار واحد؛ أي تتمتع ببعض الاستقلالية بالداخل وتجاه الخارج. وتستطيع الدول القيام بذلك إذا كانت شرعيتها ثابتة وفاعلة. وللشرعية في لبنان ثلاثة وجوه أو أبعاد: الشرعية الوطنية النابعة من الدستور، والشرعية العربية النابعة من عضوية لبنان بالجامعة العربية (وهو بحسب الدستور عربي الهوية والانتماء)، والشرعية الدولية النابعة من عضويته بالأمم المتحدة ووجود قرارات دولية لصون أمنه واستقراره (1559) وحفظ حدوده واستقلاله (1701).. هذه الشرعيات، جميعا، داخَلها الاختلال بسبب اختراقات الدستور، وبسبب معاداة «حزب الله» للدول العربية، وبسبب الإصرار على عدم تطبيق القرارات الدولية الضامنة لأمنه وحدوده. لماذا هي معطلة أو مأسورة، حسب تعبير البطريرك؟ لأن الرئيس مصر على أن الدستور يظلم الرئاسة، ولابد من تعديله، ولو بالممارسة. أما الشرعية العربية، فجاء تعطيل مفاعيلها من جانب الحزب المسلح، والمصر على التدخل في أمن الدول العربية واستقرارها لصالح إيران. في حين يعتبر المسلحون اللبنانيون أن أمريكا إنما تريد حصار سوريا ولبنان من خلال «قانون قيصر» لإحباط الممانعة! ولذلك، فإن تفعيل الشرعيات بالفعل يعيد تجديد الاستقلال والسيادة، وإجماعات الثوابت والعيش المشترك. وهنا يصبح الحياد هو الهدف الأقرب!
ما بقي زعيم سني، إلا وزار البطريرك الراعي وأيده. أما المسيحيون، وأقصد المعارضين للرئيس، فكانت ردة فعلهم فاترة، مع أنهم هم دعاة الحياد والفيدرالية، حاليا وسابقا.
الكل خائف ولا يريد أن يضع نفسه في الواجهة. وحظوظ بكركي من حظوظ الجمهور اللبناني المتعب، والخائف أيضا من الجوع والحاجة والعجز عن تعليم أولاده وتطبيبهم وإعالتهم. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى